مشاركة

الفصل7

مؤلف: ظل الغيم الماطر
ليلةٌ مكتوبٌ عليها البلاء، وقد أدركت ليان ذلك.

صراحةً، مقارنةً بأن يفضّها الطاغية، فأن تفعلها بنفسها أهون.

فعلى الأقل لا تُسحق تحت جسد أحد.

مزّقت ليان قطعة من ذيل ثوبها، وجعلتها "منديل العرس" تحتها.

ثم رفعت بطرفٍ من يدها أذيالَ الثوب، وباليد الأخرى أمسكت الخنجر مقلوبًا.

ومع أنها حزمت أمرها، فقد قاومتها غريزتها.

وسلَّت نفسها: ليكن جرحًا من الجراح.

ومنذ طفولتها، كم جُرحت.

ثم شدّت يدها…

وفي اللحظة نفسها اندفعت قوّة ثبتت معصمها.

قطّبت ليان حاجبيها.

انتزع السلطانُ الخنجرَ من يدها ثانيةً، وكان صوته أبرد من قبل.

"يا لغبائك."

طن طن.

وارتطم الخنجر خارج ستر العرس.

"طهارتك لا تعنيني أصلًا.

"إذا ألقيتِ بكل شيء لتكوني ملكة، فلا تعودي إلى الحماقة.

"مثل أن تعلمين أني في قاعة السمو، ثم تجرئين على قصدي."

عضّت ليان شفتها.

إذًا ظنّ أنها جاءت تطلب وده، فجاء يؤدّبها ليحفر في رأسها القاعدة.

وإذ قال لها: أن تستعدّ للمبيت كان يخدعها، يرفع الأمل ليكسره.

وكأنه بمثابة قتلٌ للنفس.

غير أن هذه الحيلة لا تجدي إلا مع من يطلب حبه.

وأمّا إعراضه عنها فكما تشاء.

شدّت ليان رباط ثوبها سريعًا، وجثت فوق السرير.

وضعت كفّيها أمامها، وأدّت تحية المخدع.

"يا مولاي السلطان، أخطأت.

"لن أعود أطمح إلى مودتك.

"المحظية مرجانة هي حبيبتك، وسأعدّها أختًا عزيزة، وأصونها كما تصونها."

فلما فرغت لم يعُد يضيّق عليها.

وقال يتفرّس فيها: "ملكةٌ ربّتها آل الرياشي كما ينبغي."

وكان صوته ساكنًا لا يُدرى غضبه من رضاه، ثم قام وشقّ الستر وخرج.

ثم دخلت لمياء وأوقدت السراج في المخدع.

وبالنور اتّضح المشهد.

فراشٌ غير مرتب، وثوبُ مولاتها فيه بعض الفوضى، وعلى عنقها حمرة خفيفة…

أهكذا تبدو من نالت القرب؟

ساءلت لمياء نفسها، ولم تجرؤ أن تشك: كيف انتهى الطاغية بهذه السرعة، والكتب التي قرأتها قبل دخول القصر لا تقول هذا.

"يا مولاتي، أدعكِ للاغتسال…"

"لا. لم يحدث شيء." قطعت ليان ببرود، وهبطت حافيةً، والتقطت الخنجر عن الأرض.

فدهشت لمياء.

دهشةً لأن الدخول لم يقع.

ودهشةً أخرى…

متى خبّأت مولاتها الخنجر، أهو عزمٌ على اغتيال المحظية مرجانة؟

أيعلم الطاغية.

كانت تظنّ أن الاغتيال خطةٌ محكمة مخفية، ذئبٌ في ثوب حمل.

وأمّا الواقع فهو أن تستطلع حراسة العدو جهرًا، وتُظهر السلاح أمام السلطان…

في المطبخ.

سحبَت مدبرةُ المخدع سلامة وجهًا طويلًا.

"لِمَ لم تطلبن الماء، أليس السلطان قد جاء؟"

سُدى سهرت تنتظر، ولمّا بلغها مجيؤه نهضت توًّا، وسخّنت الماء بنفسها عند التنور حتى سوّد الدخان وجهها.

ثم كانت النتيجة: الطير الذي في اليد طار.

وفي الوقت نفسه.

قاعة السمو.

تقلّبت مرجانة على فراشها.

ومنذ خرج السلطان من عندها وقلبها معلّق.

وأخيرًا دخلت وصيفةٌ تُنبئها.

"يا مولاتي، لم يُطلب الماء في مخدع الملكة."

فابتسمت مرجانة، ولمع في عينيها دلال.

"كنت أعلم أن السلطان لا يُدني امرأةً غيري."

وقالت وصيفتها شماتةً.

"يا للحسرة على الملكة، قيل إنه طال انتظارها للسلطان، وظنّت أنها ستبيت معه الليلة، فأعدّت الماء باكرًا، ثم لم يُستعمل."

ولم يقتصر الأمر على قاعة السمو، بل ترقّبت المحظيات كلهن المشهد.

فلمّا سمعن أن الملكة لم تنل، لم يعجبن كثيرًا.

وتنهدن جميعًا.

في الغد.

قصر السكينة.

لمّا سمعت الملكة الأم خبر البارحة، ازدادت تجاعيد القلق عند طرف عينها.

"كيف حدث هذا؟ وقد مضى السلطان بنفسه، أفعجزت الملكة عن اغتنام الفرصة؟"

وتنهّدت المربية خيرية.

"لعلّ سيدةَ الدار في آل الرياشي قصّرت في التربية، فلم تعرف الملكةُ أمور المخدع ففاتها السلطان."

فثبتت نظرةُ الملكة الأم.

"كفى، لا تعذروا السلطان.

"إنّ إعراضه عن سائر الحريم من أجل مرجانة ليس جديدًا.

"وروزان لا تشبه ربى في شيء، فلا تقع موقع النظر، وقد حسبت هذا من قبل."

وفي اليوم الثاني للزفاف يجب أن تمثل الملكة بين يدي الملكة الأم.

ولكن لم تحضر إلا الملكة وحدها.

وفهم أهل قصر السكينة الحال.

فهذه السنين لم يستجب السلطان إلا للمحظية مرجانة.

ومنذ نالت مرجانة القرب أوّل مرة، جاء بها السلطان بنفسه إلى قصر السكينة للسلام، وكانت محبته ونصرته لها ظاهرة.

وتخيّلوا أن الملكة اليوم ستأتي مهزومةً كاسفةَ البال بلا بريق.

غير أنّ ليان لما دخلت، شهق خدم القصر، واتسعت أعينهم دهشةً…
استمر في قراءة هذا الكتاب مجانا
امسح الكود لتنزيل التطبيق

أحدث فصل

  • عروس الحرملك... التي قهرت الطاغية   الفصل30

    كانت كتف ليان مثبتة، ويدها مقبوضة.السلطان عاصم رجل في النهاية، وقوته كبيرة. إذا وقعت في يده، فلا تفكري بالفرار. قال: "يا حرس". بأمر واحد منه، اندفع الحرّاس إلى الداخل. قال: "اقبضوا على المغتالة". وإذ هم يوشكون على الإمساك بها، رفعت ليان ركبتها أولًا، مستهدفة أسفل عاصم. انحرف عاصم إلى الجانب، وضاعف ضغط يده القابضة على كتفها. ومبارزة السادة لا تحتمل ذرة تهاون. وما إن خفّ ضغطه قليلًا حتى كسرت ليان قيده، وخطفت نطاق سرواله من عند الخصر… هووف. في لحظة، أدارت الحراسات رؤوسهم غريزيًا لئلا يروا انكشاف السلطان. وفي تلك اللمحة أفرغ عاصم يدًا بسرعة، وأمسك بالسروال مانعًا انزلاقه. لكن وبسبب حفظه لكرامته بهذه الحركة أفلت قبضته تمامًا، ولم يبق إلا يد واحدة تمسك ليان. كما تعجز قبضتان عن أربع أيد، فقبضة تعجز عن يدين أيضًا. وانزلقت ليان كسمكة لزجة مراوغة، ففلتت من تحكم يده الباقية. ثم اغتنمت ذهول الحرّاس وخوفهم من مساس المهابة، وقفزت من نافذة جانبية. كان تسلسلها انسيابيًا كالغمام، ولو ترددت حركة لفشلت في الفرار. أما الحرس الداخلون متأخرًا فلم يفهموا ما جرى، إنما أحسّوا ببرد يجتاح القاع

  • عروس الحرملك... التي قهرت الطاغية   الفصل29

    في منتصف الليل، في قصر النجوى. فشش سهم حاد استقر في إطار باب القاعة. في لحظة، انطلق الحرّاس جميعًا. قالوا: "هناك مغتال". القاعة الداخلية. كان عاصم يرتدي ثوب نوم من الديباج الموشى، وشعره الأسود منسدل كالشلال، يزيد وجهه وسامة فاتنة. قال: "ما الخبر؟" حمل لبيد السهم بكلتا يديه، وعلى رأسه رقعة، وتقدّم بحذر إلى الستارة. قال: "مولاي، هذا ما خلّفه المغتال". مدّ عاصم يده من داخل الستر، وأصابعه طويلة قوية. وتحت ضوء الشموع قرأ ما في الرقعة. مكتوب: "غدًا عند آخر الليل، قصر الشروق، لأجل علاج سمك". ضاقت حدقتا السلطان عاصم فجأة. ثم سحق الرقعة في يده حتى صارت فتاتًا. قال: "ما زالت تجرؤ على المجيء". يبدو أنها عرفت هويته، فأرسلت الرقعة مباشرة إلى قصر النجوى. لم يفهم لبيد المراد. قال في نفسه: "من تكون؟" أيعرف مولاي ذلك المغتال؟ … في مساء اليوم التالي. قصر الشروق. أحاط الحرس الخفي هذا القصر المهجور بطبقات من الطوق، ترقبًا لظهور المغتال. ما إن حان وقت آخر الليل، حتى دفعت باب القاعة امرأة في هيئة وصيفة ودخلت. فحاصروها على الفور. والغريب أن رد فعل المغتالة لم يكن الفرار… نظرت ليان

  • عروس الحرملك... التي قهرت الطاغية   الفصل28

    ظنّت مرجانة أنها أساءت السمع. كيف يمكن للسلطان أن يذهب إلى جنان؟ قال زاهر بعد ذلك. "الأمر يقين، للتو أرسل يقول لا تنتظري، فالسلطان سيتناول العشاء عند جنان." ساور مرجانة ضيق، فانعقد حاجباها قليلًا. لكنها ما لبثت أن قالت في نفسها إنه وإن تعشّى هناك فلن يعطف على جنان قطعًا. لا يجوز أن تربك صفوفها لأمر صغير فتكون أضحوكة لغيرها. اشتهر في القصور أن السلطان قصد جنان فعمّ الذهول. وكانت نهى أشد غضبًا فرمت في الحال صحنًا فكسرته. "منذ متى دخلت جنان القصر؟ وبأي حق تسبقني إلى الحظوة!" حاولت وصيفتها أن تلطف القول. "مولاتي، إنما ذهب السلطان إلى جنان، ويقال إن أباها نال فخر النصر، فلعل السلطان يُظهر سعة فضله." قطّبت نهى جبينها بغتة. "أتُراك ترين أن عمّتي كانت محقّة وأن الملكة هي من ساعدت جنان من وراء الستار؟" أجابت الوصيفة بتحفظ. "مولاتي، الأمر مشكل الحكم فيه." "ولكن الملكة نفسها محظور خروجها أفبيدها مثل هذه القدرة؟" عادت نهى تتردد. لو كان لها ذلك لألحت لنفسها لا لتجعل النفع لجنان. هي لا تصدق أن في الحريم امرأة لا تريد الحظوة. أسعد الناس تلك الليلة جنان. فمنذ زمن وهي في القصر وهذه

  • عروس الحرملك... التي قهرت الطاغية   الفصل27

    كانت جنان بين الدهشة والسرور، فمسحت دموعها سريعًا ونظرت إلى الخارج. ولما رأت ذلك المِصد الذهبي نسيت وجعها كأن جرحها قد اندمل. خمّنت الوصيفة إلى جوارها. "مولاتي، يُقال إن مولاي السلطان بعدما غادر قصر الوفاق قصد قاعة السمو، ولا بد أن مرجانة قالت فيه خيرًا فأتت هذه العطية؛ عليك أن تشكريها." هزّت جنان رأسها بقوة. "نعم، مرجانة أخت صادقة في وُدها لي، بخلاف تلك الملكة." وما إن ذُكرت الملكة حتى عاد الحقد يغلي في صدرها. هذا الثأر ستأخذه لا محالة. … قصر النجوى. القاعة العظمى ساكنة لا صوت فيها. في نصف الليل. … امتدت يد من الداخل فأزاحت ستر السرير بعصبية. تسللت أشعة القمر عبر شقوق الضوء إلى داخل الستر. جلس عاصم هناك ورداؤه الواسع مفتوح يكشف صدرًا ممشوقًا. وضع يده على جبهته يعرك ما بين حاجبيه بضيق. لم يستطع النوم. كان يعيد حديث قصر الوفاق في ذهنه. ليس صحيحًا. لقد همّ آنذاك أن يجلد وصيفات الملكة زجرًا لهن. فكيف انقطع الأمر بلا تتمة. في أي موضع استدرجته الملكة وأدرجته في قولها. منذ ذكرت أبَا جنان وإخوتها مضى معها في الحديث، بل تحققت صحّة ما سمته برسالة الأهل… وفي النهاية لم يع

  • عروس الحرملك... التي قهرت الطاغية   الفصل26

    رفعت ليان رأسها ببطء وعيناها هادئتان كبركة ميتة لا تموّج فيها. "مولاي السلطان، لقد زل لساني من قبل فأسخط المقام، وأنا منذئذ أحاسب نفسي ليلًا ونهارًا بذنوب معلقة، ولست أهلًا لخدمة المقام السلطاني." تلألأت عينا عاصم ببرودة عميقة تحمل خطرًا مكتومًا. "الملكة تعرف قدر نفسها." "هيئوا الموكب، إلى قاعة السمو." … بعد انصراف السلطان بدت لمياء كأنها انهارت تمامًا، فاتكأت مترنحة على حافة الطاولة. "مولاتي، لقد أفزعتِني حتى الموت…" ولما تأكدت أن لا أحد حولهما قالت لمياء بقلق تنصح. "مولاتي، لم يُدنِ السلطان جنان من وصاله، فإن كنتِ تريدين بها كسر انفراد مرجانة فقد أخفقتِ." "بل وأغضبتِ السلطان وزدتِ الشقاق مع مرجانة وجنان؛ أليس في ذلك جعلٌ لوضعنا أسوأ؟" لم ترَ ليان أنها خسرت. قالت بسكينة. "جنان قريبة من مرجانة ومن يقرب من الماء يسبق إلى الارتواء، فلو كان السلطان مائلًا إليها لكان قد آثرها منذ زمن." "آه؟ إذن أنتِ تعلمين أن السلطان لن يدنو من جنان ومع هذا رتبتِ لها مبيت الليلة؟" ثم قالت لمياء وقد خطر لها أمر آخر: "وأنتِ أيضًا تعلمين أنه لا يحب ذلك فأرسلتِها عمدًا إلى قصر النجوى، أليس كذلك؟"

  • عروس الحرملك... التي قهرت الطاغية   الفصل25

    كانت ليان تُقبَض على عنقها، وقد احمّرت ملامحها قليلًا. "هذه كلها مذكورة في رسالة أسرية …" قال السلطان عاصم: " رسالة أسرية؟" ولم يصدق. وأمرها أن تُخرج تلك الرسالة المزعومة. وخارجًا ذُهلت سلامة. من أين أتت تلك الرسالة؟ وما إن استدارت… يا ساتر، أفزعها ذلك! متى عادت لمياء يا ترى؟ ثم ما الذي تحمله في يدها؟ تجاوزت لمياء ذهول سلامة، وأسرعت إلى المخدع. قالت: "يا مولاي، هذه رسالة بعث بها السيد حسام اليوم." أرخى عاصم قبضته وتناولها ليتفحصها بنفسه. وكانت مكتوبة بلهجة أب إلى ابنته. وفيها: "روزان يا ابنتي، قلتِ من قبل إنك تريدين القيام بحق الملكة وأن تعدّي المحظيات أخوات فتُحسني إليهن، فسرّني ذلك. لهذا جمعتُ شيئًا من الأخبار لعلها تعينك…" وكان فيما بعد ذكرٌ لجنان ولغيرها من المحظيات. وأبرز ما فيه مواقيت دخولهن القصر، وصلات أهلهن، وميولهن. ومن سياق الكتاب يُرى حرص الملكة على شأن الحريم. كأنها حقًا تعدّهن أخوات وتريد معرفتهن. لما فرغ السلطان عاصم من القراءة بقي وجهه جليديًا. قال: "نِعْمَ الملكة أنتِ، أحسنتِ الإحاطة بكل شيء." ولم يكن ليُخدع، فأمر بمضاهاة الخط حالًا. وبينما ينتظر

فصول أخرى
استكشاف وقراءة روايات جيدة مجانية
الوصول المجاني إلى عدد كبير من الروايات الجيدة على تطبيق GoodNovel. تنزيل الكتب التي تحبها وقراءتها كلما وأينما أردت
اقرأ الكتب مجانا في التطبيق
امسح الكود للقراءة على التطبيق
DMCA.com Protection Status