LOGINاستجمعتُ قوتي، وبدأت كلماتي تتدفّق بثقة، "أنا لا أحتاجه، والطفل أيضًا لا يحتاجه. يمكنني طلبُ نقلٍ وظيفيٍّ. لنبدأ من جديد. يمكنكِ القدوم لزيارتنا... لكن نوح لا داعي لوجوده في حياتنا."حدّقتْ ليلي إليّ وكأنّني فقدتُ عقلي، وربما إلى حدٍّ ما كنتُ قد فقدتُه فعلًا، غير أنّ هذا بدا وكأنه المسار الأنسب للتصرّف."بهذه الطريقة، لن يكون هناك أيُّ حرج، ولا أي ضغطٍ عليه، ولا ألم. الأمر أنظفُ... وأهدأ."إذا غادرتُ، فلن يكون هناك توتّر. لن يُجبَر نوح على التواجد في حياتنا. سنكون جميعًا أكثرَ سعادةً بهذه الطريقة. أعتقد أنّ راحة البال خيرٌ من الفوضى التي قد يسبّبها هذا.تمتمت ليلي بصوتٍ منخفض، "سيرا، هل فكرتِ في هذا الأمر جيدًا حقًا؟""لا، لكنه يبدو الخيارَ الأفضل."قالت برفق، "وما كان الخيارُ الآخر؟"ابتلعتُ ريقي بصعوبة. "الإجهاض."توهّجت عيناها، وقالت، "هذا لن يحدث.""نحن نتّفق على ذلك. ولهذا السبب، هذا هو الخيارُ الوحيد المتبقي."اقتربت أكثر، وأمسكت يدي بين يديها قائلةً، "عادةً أساندكِ في كلّ شيء، لكن ليس في هذا. لا أستطيع... ولن أفعل."رمشتُ لها، وشعرتُ بوميضٍ من الأذى في صدري، وكبتته.أعلم أنّها د
شعرتُ بأنّ تلك الدقائق التي جلستُ فيها أنتظرها هي الأطول في حياتي. لم أتحرّك، لكنّني لم أستطع التوقّف عن التململ؛ أقضم أظافري، أتحرّك في مقعدي، وقلبي يدقّ في أذنيَّ بعنف.وعندما سمعتُ أخيرًا هديرَ محرّك سيارتها، قفزتُ إلى قدمي، مما أفزع بلاكي، واندفعتُ نحو الباب. فتحته على مصراعيه، في اللحظة التي خرجت فيها من سيارتها البورش الفضية.لطالما كانت ليلي عاشقةً للسيارات؛ مرآبها أشبه بمزارٍ لذلك الشغف، أنيق، صاخب، وسريع، تمامًا مثلها.وفي اللحظة التي وصلت فيها إلى الباب، ألقيتُ بنفسي في أحضانها. لم أفكّر حتى؛ تشبّثتُ بها كما لو كانت الشيء الوحيد الذي يمنعني من الانهيار.الدموع التي كنتُ أحبسها وأكافحها تدفّقت من عينيَّ كالسيل. كان الأمر أشبه بانفجار سدٍّ داخليٍّ لم أعد قادرةً على السيطرة عليه.انهمر كلّ شيء... كلّ شيء.ارتفع صدري وهبط بعنف، وتناثرت أنفاسي في شهقاتٍ متقطّعة؛ أصواتٌ مبحوحة خرجت من أعماقي، تمزّقني مع كلّ محاولةِ تنفّس. شعرتُ بصدري وكأنّه في كماشةٍ تضغطه بقسوة، وبقلبي ينشقّ نصفين، واللحم الخامّ النازف داخلي يصارع ليُبقيني على قيد الحياة.احتضنتني ليلي بصمت، تدلّك ظهري برفقٍ في دو
لم تتوقّف الأسئلة عن الطنين في رأسي، تتتابع واحدةً تلو الأخرى بينما كنتُ أستعدّ لمغادرة المستشفى.هل يجب أن أحتفظ بالطفل؟ أم عليّ التخلي عنه؟صحيح أنه لن يعلم أحد، لكنني أنا سأعلم. والذنب؟ ذنبُ إنهاءِ حياةٍ تحمل نصفًا مني كان سيأكلني حيّة.لم يكن الأمر يخصّ نوح وحده، فذلك الطفل طفلي أنا أيضًا.ضربتُ الوسادة بقوةٍ أكبر مما ينبغي، وقد امتلأتُ بالإحباط الذي صنع داخلي عقدًا يصعب تفكيكها.أنا من أولئك الأشخاص الذين يجب عليهم ترك كل شيءٍ مُرتَّبٍ ونظيفٍ قبل مغادرة أي مكان، حتى وإن كان هناك من يتقاضى أجرًا لتنظيفه. أنا فقط لا أستطيع منع نفسي من ذلك.كان عليّ أن أُمهّد الشراشف، وأطوي البطانية، وأرتّب الوسائد. ببساطة، لم أستطع ترك الأشياء في فوضى.باغتني صوت بنجي يقول، "ماذا فعلت لكِ الوسادة؟" فقفز قلبي إلى حلقي.كنتُ غارقةً في أفكاري إلى حدّ أنني لم أسمعه وهو يدخل."لا شيء"، همستُ بصوتٍ متهدّج، قبل أن أنهار على السرير مجددًا.تبا! ماذا سأفعل؟ ماذا عليّ أن أفعل؟"لا تبدين على ما يرام"، صرح بنجي بملاحظته وهو يجلس بجانبي.بديهيٌّ جدًا، أيها المحقق."هذا لأنني لستُ على ما يرام"، أجبتُ بخشونة، غير
حامل.ظلّت تلك الكلمة اللعينة تتردّد في رأسي كترانيمَ في معبدٍ معجور.لماذا؟ لماذا الآن؟ظننتُ أنني تجاوزت نوح أخيرًا، وأنني لن أُضطرّ للتعامل معه أو رؤيته مجددًا. كنتُ أعتقد أن ما حدث منذ شهرٍ كان خطأً عابرًا لن يتكرّر. فما هذا الهراء الآن؟ ولماذا أنا تحديدًا؟"هل هناك خطأ ما؟" سألتُ بصوتٍ مرتجف، أتشبّث بالأمل كمن يتشبّث بطوق نجاة.ربما حدث تبديل في العينات أو خلط في التقارير. هذه الأمور تقع كثيرًا، المستشفيات تَحدُث فيها أخطاءٌ طوال الوقت، أليس كذلك؟ لا بدّ أنّ هذا ما حدث. من المستحيل أن أكون حاملًا بطفلٍ من نوح وودز اللعين.تصفّح الدكتور التقرير الذي بين يديه، ثم رفع نظره إليّ بلطفٍ وقال، "لا يوجد خطأ هنا... أنتِ حامل يا سيرا."وفي تلك اللحظة، شعرتُ بكلّ ما تبقّى لي من قوّةٍ يتسرّب بعيدًا. غصتُ في الوسائد، مُثقلةَ الجسد، شاردةَ البصر. كلّ شيءٍ من حولي أصبح ضبابيًا، باهتًا.حدّقت عيناي في بقعةٍ على صدرِ الدكتور توم، دون أن تريا شيئًا حقًّا.بدا وكأن العالم كلّه اختفى، ولم يتبقَّ سوى الثقل الذي يخنقني ببطء. كان هذا أسوأ خبر يمكن أن أتلقّاه في حياتي.أعلم أن الأطفال يُفترض أن يكونوا نع
توقفتُ عن المحاولة في نهاية المطاف. تركتُها تعتقد ما يجعلها تشعر بالرضا عن نفسها. لم أعد أهتمّ.زمجر بنجي، والغضب يغلي في صوته، "جوسلين!"حاولتُ أن أقول، "لا بأس..."، لكنني لم أتمكّن من إكمال جملتي. لكنني لم أتمكّن من إكمال جملتي.شعرتُ بدوارٍ مفاجئ. فجأةً، مال العالم بعنف، ثم غرق كل شيء في السواد.أعادتني رائحةُ المطهّرات النفاذة إلى الوعي. فتحتُ عينيّ، ثم أغلقتُهما على الفور حين أعمتني الأضواء.وحين فتحتهما للمرة الثانية، ببطءٍ هذه المرة، أدركتُ أنني في مستشفى.جلستُ بسرعةٍ كبيرة، فاجتاحني الغثيان كقطارٍ مسرع. اندفعتُ نحو الحمّام، بالكاد وصلتُ في الوقت المناسب قبل أن تفرغ معدتي ما فيها في المرحاض. تقيّأتُ مرارًا وتكرارًا، وجسدي يرتجف، حتى لم يتبق شيء.انهرتُ على البلاط البارد، ألهثُ بشدّة.ما خطبي؟ لقد كنتُ أعاني اضطرابًا في المعدة لمدة أسبوع. لم تُجدِ أيٌّ من العلاجات المنزلية نفعًا، ولا حتى شاي أمي. حتى الأدوية التي لا تستلزم وصفةً طبية لم تفعل شيئًا يذكر لتخفيف اضطراب معدتي.ربما كان تسممًا غذائيًا؟ أخبرتُ ليلي أن المقهى الذي ذهبنا إليه الأسبوع الماضي يبدو مريبًا، لكنها أصرت، قائل
مرّ شهرٌ على تلك الليلة. لم أرَ نوح، ولا رغبة لي في ذلك. أندم على تلك الليلة أكثر من ندمي على أي خطأ آخر ارتكبته في حياتي.كنتُ أودّ أن أُلقي باللوم على تأثير المخدّر، لكنني لا أستطيع. كانت لديّ فرص كثيرة لأرحل، لأنطلق بسيارتي، أو لأدفعه عني حين قبّلني. لكنني لم أفعل. بقيتُ، وهذا ذنبي وحدي.ألوم نفسي على ضعفي، على أنني سمحتُ لتلك العينين الرماديتين بإغرائي، وعلى استسلامي لسحره بينما كنتُ أعلم ما يجب أن أفعل. لم أكن قوية بما يكفي لأبتعد، وأكره نفسي لأجل ذلك.ظننتُ أنني أستطيع نسيان تلك الليلة، لكنها ما تزال تطاردني. تضغط ذكراها على صدري كعبءٍ لا أستطيع الفكاك منه.مذاق شفتيه... تلك العينان العاصفتان... الطريقة التي تحرّك بها جسده قرب جسدي... أنينه، ومتعة صوته... كلّها تلاحقني حتى في نومي. جرّبتُ كلَّ وسيلةٍ لمحوها، لكن لا شيء يجدي. تلك الليلة محفورة في ذاكرتي كوشمٍ لعينٍ لا يُمحى.تنهدتُ، وأجبرتُ نفسي على التركيز. حدّقتُ في طبق بتري أمامي، أُلزِمُ نفسي بالتفكير في العمل... في البحث، والعينات... في أي شيءٍ سواه."سيرا؟" ناداني أحد أعضاء فريقي بلطف. "هل أنتِ بخير؟ تبدين شاردة في الأيام ال







