Share

الفصل 4

Author: ندي عبد الرحمن
قالت يارا بصوت مبحوح: "ما زلت أراك كأخٍ لي، تمامًا كما كنتَ تعاملني كأخت."

كانت حنجرة يارا تزداد ألمًا حتى أصبحت غير قادرة على نطق كلمة أخرى؛ لأنها لو تكلّمت أكثر لانكشف أمرها، ولربما رفعت الغطاء عن نفسها، وارتمت في أحضانه باكية: "أنا لم أعتبرك أخًا يومًا... أنا أحبك!"

كانت تقمع نفسها بشدّة، لتمنع ذاتها من فعل هذا التصرف المُذل؛ فما دام قلبه يسكنه شخصٌ آخر، فلماذا تُهين نفسها وتتوسل إليه أن يبقى؟

قال كريم وهو يحرّك شفتيه بابتسامة باهتة: "هكذا أفضل، يمكنكِ أن تجدي رجلًا تحبينه بصدق."

شعرت يارا وكأن قلبها تلقّى طعنة جديدة، مؤلمة وقاسية.

ضحكت قائلة: "نعم، هكذا أفضل."

هكذا يمكنه أن يكون مع محبوبته العزيزة في وضح النهار، دون خفاء أو حرج.

قال فجأة بصوت منخفض: "يارا."

ردّت عليه بصعوبة: "نعم؟"

فتح فمه وكأنه على وشك قول شيء، لكنه توقّف فجأة.

انتظرته يارا بصمت، لكنه قال أخيرًا: "سأرحل الآن، ارتاحي جيدًا."

استدار كريم وغادر الغرفة.

غطّت يارا نفسها باللحاف بالكامل، وانفجرت بالبكاء.

خشيت أن يسمع أحدٌ صوت بكائها، فوضعت يدها على فمها بإحكام، حتى كادت تختنق.

ذلك الإحساس بالاختناق واليأس جعلها تتمنى لو أنها تستطيع مغادرة هذا العالم في تلك اللحظة.

لم تكن تعلم كم مضى من الوقت، حين دوّى صوت طرق خافت على الباب.

فتحت يارا عينيها المتورمتين، وقالت بصوت أجش: "من؟"

جاءها صوت كبير الخدم من خلف الباب: "سيدتي، المساعد رامي قد وصل."

فور سماعها ذلك، تلاشى عنها كل أثر للنعاس.

دخلت إلى الحمام، غسلت وجهها، رتّبت مظهرها، وضعت لمسة خفيفة من المكياج حتى تُخفي آثار الحزن عن وجهها.

وقبل أن تهمّ بالخروج من الغرفة، دوّى صوت إشعار من هاتفها، تناولت الهاتف الموضوع علي جانب السرير، لتجد رسالة من كريم:”[المساعد رامي قد وصل الآن، إذا كان لديكِ أي طلب فأخبريه به .]

لم تتمالك يارا نفسها، واحمرّت عيناها مجددًا، لكنها حذفت الرسالة فورًا دون أن ترد عليه.

فكان من المستحيل أن تدّعي أن قلبها لا يحمل شيئًا من العتاب تجاهه.

خرجت يارا إلى غرفة الجلوس، بمظهر أنيق ومنظّم، ووقفت بثبات أمام رامي قائلة: "يا مساعد رامي، لقد وصلت."

كانت يارا جميلة الطلعة، مشرقة الوجه، تنضح بالحيوية.

تفاجأ رامي قليلًا، فقد كان يتوقّع أنها ستكون منهارة بعد إعلان كريم عن قرار الطلاق.

تذكّر ما قاله له كريم ذات ليلة وهو في حالة سُكر، وعندها أدرك سرّ برود مشاعر يارا في هذه اللحظة.

قالت يارا دون أي تردد: "أعطني الاتفاقية، سأوقّع."

في أعماق قلبه، أدرك رامي أن السيدة لا بد أن هناك رجلًا آخر يحتل قلبها.

لكن، من قد يكون الرجل الذي يتفوّق على كريم؟

قال وهو يفتح الأوراق: "سيدتي، هذه هي اتفاقية الطلاق؛ بعد الطلاق، ستحصلين على..."

بدأ رامي في قراءة التعويضات السخية الواردة فيها: فيلا، سيارات، أموال، مجوهرات، ذهب...

لكن يارا لم تكن تُنصت إلى أي من ذلك.

كانت شاردة، وكأن روحها قد غادرت جسدها.

لم تكن ترغب بأي من هذه الأشياء، هي فقط أرادت كريم... فقط كريم.

فجأة، ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتيها.

يبدو أن الحزن حين يبلغ مداه، لا يجد طريقًا للخروج سوى في ضحكة عالية.

نظر رامي إليها بدهشة.

هل كانت فرِحة بالطلاق؟

قالت يارا، بعد أن أوقفت ضحكتها: "آسفة... بعد الطلاق سأصبح ثرية."

رامي صمت، ولم يُعلّق.

هل كانت السيدة تحب المال فقط؟

قال رامي بنبرة محرجة: "سيدتي، لم أنتهِ بعد، بحسب القواعد، يجب أن أقرأ الاتفاقية كاملة؛ أرجو أن تنتظري قليلًا."

تابع رامي القراءة، لكنه عندما وصل إلى بند معين، تغيّر وجهه وقال بقلق: "سيء!"

أغلق رامي الأوراق بسرعة وقال: "لا يمكن التوقيع على هذه الاتفاقية."

نظرت يارا إليه بدهشة وسألته: "لماذا؟"

Continue to read this book for free
Scan code to download App

Latest chapter

  • هروب الزوجة الحامل ومطاردة حتي النهاية   الفصل300

    سألها رامي: "ماذا هناك؟"تذكّرت يارا بعض الأمور، لكنها لم تكن متأكدة، ولو قالتها بتهور الآن فلن يكون مناسبًا، لذا هزّت رأسها: "لا شيء، سأساعدك في جمع الأوراق، هذه الملفات مهمة جدًا، لا تُلقِها هكذا مرة أخرى."انحنت يارا لتجمع الأوراق المبعثرة على الأرض ورقة ورقة.قال رامي على عجل: "لا داعي يا يارا، سأقوم بذلك أنا."وأسرع رامي ليجمع الأوراق معها.وعندما التقت أيديهما على نفس الورقة، لامست أصابعهما بعضها بالخطأ.سحبت يارا يدها كمن أصابها مسّ كهربائي، وارتسمت على شفتيها ابتسامة حرج، ثم ناولت الاوراق التي بيدها إلى رامي.قالت: "رامي، سأغادر الآن، لدي بعض الأمور التي عليّ إنهاؤها."سألها رامي: "ألن تنتظري سوزان؟ يمكنني أن أتصل بها لتعود.""لا داعي، لدي ما أفعله اليوم لا أستطيع أن أتناول الغداء معها، فلنؤجّلها لمرة أخرى.""إلى أين ستذهبين؟ سأوصلك.""لا حاجة، سآخذ سيارة أجرة.""لا يمكن أن أتركك هكذا. سأطلب من السائق أن يوصلك، هكذا أطمئن."أصرّ رامي."أنا…" كادت يارا أن ترفض، لكنها خشيت أن يقلق عليها، فأومأت: "حسنًا إذن."…بعد أن عادت يارا إلى منزلها، كان أول ما فعلته أن اتصلت بكريم.وعندما أُ

  • هروب الزوجة الحامل ومطاردة حتي النهاية   الفصل299

    كان من الصعب على يارا أن تربط بين رامي الذي كان غاضبًا ومنفعلًا قبل قليل، وبين هذا الرجل الحزين الضعيف والعاجز أمامها الآن.لكن الغريب أنهما الشخص نفسه.حتى رجل مثل رامي، يمكن أن يفقد السيطرة على مشاعره ويثور بشدة.ويمكن أن يغرق بلحظات من الحزن العميق واليأس.قال رامي وهو يرفع رأسه وينظر إليها بجدية: "يارا، هل يمكنكِ أن تفكري معي في الأمر؟"أومأت يارا بسرعة وقالت باهتمام: "سأفعل. انتظر قليلًا، سأفكر معك."لقد أخذت الأمر بجدية.فقد ساعدها رامي كثيرًا من قبل، والآن أخيرًا لديها فرصة لرد الجميل، فلم يكن من الممكن أن ترفض.وإذا تمكنت من مساعدته في الحصول على سعادته، فستشعر بالراحة، ولن تبقى مدينة له بالكثير.قالت مقترحة:"ما رأيك أن تبدأ كصديق فقط؟ أن تتعامل معها كصديقة دون محاولة التقرب كثيراً، كن صادقًا، واهتم بها، وامنحها الراحة في التعامل، وأنا واثقة أنها بمرور الوقت ستشعر بمدى روعتك."هذا كان أفضل ما استطاعت يارا التفكير به.قال بدهشة وفي عينيه بريق خافت: "حقًا؟ هل تعتقدين أن هذه الطريقة الأفضل؟"أومأت يارا:"نعم. رامي، جرّب ذلك أولًا. بما أنك قلت إنها لا تزال غير قادرة على الخروج من

  • هروب الزوجة الحامل ومطاردة حتي النهاية   الفصل298

    "صحيح."أومأ رامي برأسه، "هالة… هالة بمعنى البهجة وصفاء النفس."سألت يارا بفضول: "هل عندك صورة لها؟"كانت متشوقة لتعرف شكل الفتاة التي يحبها رامي.خاصة بعدما قال إن شخصيتها تشبهها قليلًا، مما زاد فضولها.قال مترددًا: "صورتها…" ثم تذكّر فجأة، "هي في هاتفي، لكني لم أحضر هاتفي اليوم، تركته في البيت، لذلك لم أرَ رسائلكِ ولم أستقبل مكالمتكِ."كان عذره مثاليًا لدرجة لا يثير الشك.وفعلاً كان يقول الحقيقة.فقد خرج في الصباح على عجل، وبسبب غضبه نسي هاتفه، ولولا ذلك، ما كان ليتجاهل اتصالات يارا.قالت يارا: "إذن هذا هو السبب."إذن حين أرسلت له رسائلها، كان قد غادر بالفعل."لنتركها لوقت لاحق. لكن، ألم تحاول أن تقترب منها؟ أم أنك فشلت في ذلك؟"ردّ رامي بمرارة: "المشكلة هي…، لديها حبيب."قالت يارا: "آه، إذن هي ليست عزباء."ولم تعرف كيف تعبّر لرامي: هل تواسيه بالكلام، أم تشجعه على مطاردة من يحب؟لكن بما أن الفتاة لها علاقة بالفعل، فليس من الصواب أن تشجعه على أن يكون مَن يُفسدها.قالت محاولة التخفيف عنه: "رامي، أنا أفهم شعورك. أن تُحب شخصًا لا يخصّك."كم يشبه هذا وضعها مع كريم.لكن رامي تابع: "لكنها انف

  • هروب الزوجة الحامل ومطاردة حتي النهاية   الفصل297

    قال رامي وهو يثبت نظره عليها: "في الحقيقة، لدي فتاة أحبها."سألت يارا بدهشة: "حقًا؟ لديك فتاة تحبها؟ وهل أعرف مَن هي؟"قال: "هي… قريبة جدًا مني..."يارا: "..." أرادت قدماها أن تتراجع للخلف، لكن جسدها تجمّد في مكانه، وارتجف طرف فمها بلا إرادة.اقترب رامي منها خطوة فجأة.فبادرت يارا بخطوة إلى الوراء.قال: "يارا، هل تستطيعين مساعدتي في أمرٍ ما؟"سألت: "أي أمر؟"أجاب: "هل يمكنكِ أن تعلّمينني كيف أجعل الفتاة تُعجب بي؟"قالت يارا غير مصدّقة: "أنا أعلّمك؟ هذا…أظن أن سوزان أدرى بهذه الأشياء. أنا إنسانة مملة، لا أفهم الرجال ولا حتى النساء."ابتسم وقال: "لكن لا بد أنكِ تفهمين. الفتاة التي أحبها تشبهكِ في طباعها. أما سوزان فهي فتاة مشاغبة لا تهدأ، لذلك من الطبيعي أنها لا تفهم الفتيات الهادئات."سألت يارا: "حقًا؟ ومن هي الفتاة التي تحبها؟"قال: "هي...هي فتاة تعرّفت عليها في حفلة، هادئة جدًا، منذ أن رأيتها لأول مرة، شعرت أن قلبي يخفق بقوة."تنفّست يارا الصعداء.اتضح أنها فتاة تعرّف عليها في حفلة.جيّد، المهم ألّا تكون هي نفسها.وبما أن يارا قالت كلامها بوضوح، لم يُرد رامي أن يُظهر أي مشاعر أخرى، ف

  • هروب الزوجة الحامل ومطاردة حتي النهاية   الفصل296

    زاد على توترها ذلك البريقُ من عينيه.قالت يارا وهي تنظر إليه بنظرةٍ صافية: "رامي، نحن صديقان حميمان، حين حزنتُ كنتَ أنتَ من يُساندني، وما فعلتُه أنا لا يعدو أن يكون ردًّا للجميل، بلا أي معنى آخر، فلا تُسيء الفهم."كأن دلْوًا من الماء البارد صُبَّ فوق رأس رامي.لم يعرف إن كانت يارا تتعمّد تذكيره بألا يُفكّر في شيءٍ آخر، أم أنها قالتها عفويًّا.لكن الغاية من كلامها لم تكن إلا أمرًا واحدًا، وهو أن تضع حدودًا واضحة: لا مجال للتأويل، هما مجرد صديقين، واهتمامها به لا يتجاوز اهتمام الصديق بصديقته.فقط…صداقةٌ لا أكثر…امتلأ رأس رامي بفوضى، وكأن خيوطًا مشتبكةً تُكبّله.بل أحسّ وكأن سكاكين حادّة تقطع أعصابه رويدًا رويدًا.هو يعرف منذ البداية أنهما مجرد صديقين، لذلك كان حذرًا في كل خطوة، لكن حين صاغت يارا ذلك بجدّيةٍ واضحة، شعر أنه سقط إلى القاع.دبّ في داخل يارا قلقٌ خفيّ، وما إن همّت أن تقول إنها ستغادر، حتى سبقها رامي بالكلام: "طبعًا."ابتسم وجهه الوسيم قائلًا: "نحن أصدقاء، ولم يخطر ببالي أنكِ تقصدين شيئًا آخر، أنا فقط سعيدٌ حقًّا لأن لدي صديقةً مثلكِ."لاحظت يارا أن ابتسامته بدت مُتكلّفة قلي

  • هروب الزوجة الحامل ومطاردة حتي النهاية   الفصل295

    حدّق رامي مطولًا في المرأة التي أمامه، وشعر قلبه فجأة بلين غامر.هذا الصباح، كان ما يزال غاضبًا منها قليلًا، بل وبسبب مشاعره الشخصية صبّ غضبه على موظفيه.لكن الآن، ادرك أنه لم يعد يحمل أي ذرة غضب.حتى مشكلة ذلك المشروع لم تعد تثير فيه أي انفعال.بل امتلأ قلبه بالرضا.كان الرضا في قلبه ينقسم إلى طبقات، كل طبقة تشبه كيسًا فارغًا، وما إن يمتلئ، يدخل إلى الطبقة التالية، حيث الكيس الأكبر.وشعر أن الكيس الأول قد امتلأ تمامًا، وأنه قد وصل إلى الكيس الثاني.لم تكن مطالب رامي تجاه يارا كبيرة، فقد وضع لنفسه هدفًا منخفضًا منذ البداية، حتى إن مجرد ابتسامة منها أو حديثها معه بلطف كان يكفيه.وعندما علم اليوم أنها قلقت عليه بهذا الشكل، امتلأ الكيس الأول في لحظة.لكن فتح الكيس الثاني بدا فارغًا تمامًا، ومع امتلاء الطبقة الأولى، اجتاحه شعور أكبر بالفراغ.لأنه لم يعد مكتفيًا، بل أراد المزيد.لقد امتلأ الكيس الأول بعنايتها، وأحس بالرضا تجاهها.أما الكيس الثاني، فلن يمتلئ إلا بمزيد من القرب والحميمية.وأما الكيس الثالث، فكان بعيد المنال، وهو ما رآه في حلمه صباح اليوم، ذلك المشهد وحده كان كافيًا لملئه.ومع

More Chapters
Explore and read good novels for free
Free access to a vast number of good novels on GoodNovel app. Download the books you like and read anywhere & anytime.
Read books for free on the app
SCAN CODE TO READ ON APP
DMCA.com Protection Status