5 回答
وجدت نفسي أقدر في نصوصها قدرة على التعامل مع التوتر بين التقليد والحداثة من دون أن تكون واعظًا أو متعاليًا. أحب كيف تفتح صفحتها على مشهدٍ صغير — حوار مقتضب، حركة بسيطة — ثم تكشف عنه طبقات من العلاقة الاجتماعية أو النفسية. هذا الأسلوب يترك أثرًا أطول من وصفٍ ممتد؛ لأنه يدخل كعصا ناعمة في جذور مشكلة أو شعور.
أنا قارئة لا تطلب الكثير: رغبة في رؤية شخصيات تؤثر فيّ وتُثِر تفكيري. أسلوب غاليه يفعل ذلك من خلال لغة قريبة وصور قابلة للتصديق، وهذا ما يجعل القراء العرب يتعاطفون معها ويعودون لقراءة المزيد.
أتذكر جيداً تلك القراءة التي جعلتني أشعر أن أحدهم يدخل إلى غرفتي بهدوء ويتحدث بصوت قريب من قلبي. أسلوب غاليه البقمي يضرب على أوتار الحميمية اليومية: تفاصيل المنزل، رائحة القهوة، لحظات الصمت بين الكلمات. هذه التفاصيل الصغيرة تمنح النص واقعية لا تُقاوم، وتخلي القارئ عن حاجته للتظاهر بأنه يفهم كل شيء، لأنّ النص يفهمه أولاً.
أظن أن المفتاح هو صدق الصوت. ليست لغة مدهشة بألف كلمة جديدة، بل لغة مألوفة حارة، قادرة على أن تكون مرآة للقارئ العربي الذي يرى في النص انعكاس حياته البسيطة والمعقدة في آنٍ واحد. هناك حسّ بالمرور الزمني والنرجسية المتفتحة على الذاكرة يجعلها كاتبة تحكي عن حكاياتنا الصغيرة وكأنها تقرأها بصوت أُمٍّ أو صديقة.
بالإضافة لذلك، لا تخاف غاليه من تلميع مواضيع محرجة أو تخصصية؛ بدلًا من ذلك، تُقربها من الناس بجملة أو وصف أو سؤال. وهذا ما يخلق الرغبة في الاستمرار؛ ليس فقط لمعرفة النهاية، بل لمجرد أن تكون بجانب هذا الصوت الذي يفهمنا. عندي إحساس أنها تتكلم معنا لا عليها، وهذا ما يجعل التعاطف طبيعياً ودفئياً.
أحيانًا أضحك مع نفسي على كم أن نصوصها على مقربة منك كصديقة تحمل قِصّة تقصّها على فنجان شاي. الأسلوب مبسّط لكنه لا يفقد هويته، ويملك حسًا عاطفيًا يغذي التعاطف. ما يجذبني هو إحساس الصدق في المشاعر — لا مبالغة درامية ولا تسطيح؛ فقط لحظات إنسانية تجعلني أنفعل معها.
كما أن اللغة المستخدمة لا تتعالى على القارئ؛ بل تدعوه ليسترجع ذاكرته الخاصة، وهو شيء أحب تكراره عندما أتحدث مع أصدقاء عن كتاب جديد. لذلك، أعتقد أن أسلوبها يصل بسهولة للقارئ العربي لأنه يحاكيه بلغته اليومية ويقدم له مساحة للحنين والبكاء والابتسامة.
أجد نفسي متأثرًا بالطريقة التي توظف فيها غاليه الرموز اليومية لتحويل الأشياء العادية إلى دلالات أكبر. لا أقرأ عندها وصفًا مجردًا للأماكن أو العادات، بل شبكة من المعاني التي تتراكم ببطء لتخلق إحساساً بالمصير أو الانقسام أو الرجاء. أستمتع بكيفية إدارتها لزمن السرد: أحيانًا تستخدم الفلاشباك بطريقة تجزّئ الذاكرة، وأحيانًا تفعل العكس فتجمع شتات التفاصيل في لحظة واضحة واحدة.
ذلك التنظيم الذهني للنص يجعل القارئ العربي يتعرّف على أنماط تفكيره وذاكرته؛ فثقافتنا تشكلت عبر السرد الشفهي والخبر اليومي، وغاليه تلتقط هذا الطيف وتترجمه أدبيًا. أحب أيضًا نزوعها إلى ترك الأسئلة بدل الإجابات الجاهزة، الأمر الذي يحوّل القارئ من مستهلك إلى شريك في البناء المعنوي. بهذا الأسلوب، يُصبح النص مساحة حوار داخلي، ونعلم جميعًا أن القارئ العربي يقدّر النصوص التي تمنحه مساحة للتفكر والتفسير.
كلما قرأت نصاً لأسلوب مثل أسلوب غاليه، أشعر بأن هناك توازنًا دقيقًا بين البساطة والعمق. أحاول أن أفكك الأمر من منظور عملي: أولاً، القرب اللغوي — كلمات ونبرات تشبه الكلام الشفهي، لكنها مصقولة بما يكفي لتصبح أدبًا؛ هذا يجعل النص سهل الوصول لكنه يحافظ على كرامته.
ثانياً، الهيكل القصصي عندها ليس معقدًا لكنه ذكي: مشاهد قصيرة، فصول متقطعة، ذكريات تقطع الحاضر أحيانًا؛ هذا الإيقاع يناسب قارئ اليوم السريع دون أن يفرّط في عمق المشاعر. ثالثًا، التمثيل الإنساني للشخصيات: ليست بطلات خارقات، بل بشر متواطئون مع ضعفهم، وفي ذلك نصيب من الراحة لنا كقراء نبحث عن انعكاس لأنفسنا.
أضيف أيضًا أن هناك شجاعة في الاقتراب من مواضيع اجتماعية بحس إنساني بدلًا من الوعظ، وهذا يحفظ للقارئ مساحة للحكم والشعور. هكذا تُخلق علاقة ثقة بين الكاتب والقارئ، وهي أهم أسباب التعاطف.