عندما رأى أنس ابتسامتها المشرقة، تلاشى الألم الذي كان يثقل قلبه منذ الليلة الماضية.أمسك بيدها، وأخذها إلى غرفة تغيير الملابس، وبعد أن ألبسها بنفسه زي ركوب الخيل، استدار وأمر أحدهم بإحضار زيه الخاص.كانت لينا تنتظر أمام الباب، مستندة على الدرابزين، تركل الحصى على الأرض بملل، ثم بدأ الباب خلفها يفتح ببطء.خرج أنس مستقبلاً ضوء الشمس، ووجهه البارد فوقه نظارة سوداء تبرز ملامحه.كان قوامه مثاليًا، يرتدي من الأعلى قميصًا ضيقًا أبيض اللون، وحزامًا أسود اللون يلف خصره النحيل بإحكام.أما من الأسفل، فكان يرتدي بنطالاً أبيض لركوب الخيل، مما أبرز فخذيه الطويلين بشكل ملفت. وأسفل ركبتيه كان هناك حذاء أسود طويل لركوب الخيل.أمسك أنس الخوذة بيد واحدة، وأمال رأسه قليلاً في ضوء الشمس.أخذت بعض أشعة الشمس متعددة الألوان تظهر وتختفي، منعكسة على نظارته الشمسية بالاتجاه الذي أمال له رأسه.جعلته هالته الباردة يبدو كرجل نبيل خرج من لوحة زيتية قديمة.تقدم نحو لينا، ورفع أصابعه ذات المفاصل البارزة، ثم وضع الخوذة على رأسها.أثناء قيامه بهذه الأشياء، كانت كل حركة وإيماءة منه تنضح بنبله وأناقته الفطرية.نظرت لينا
في المسبح، كانت تموجات المياه الصافية تتراقص ببطء تحت ضوء القمر، موجة تلو الأخرى.دفعها أنس نحو جدار المسبح، وقال ساحرًا إياها بصوته الآسر: "لينا، لم تخبريني بعد أنكِ تحبيني."إن كلمة "أحبك" هي وعد، وما إن تُقال، تصبح عهدًا لمن تحبه.كانت لينا تفتقر إلى الشجاعة، فنظرت إلى ضوء القمر الساطع في سماء الليل، ولم تكن تعرف كيف تبدأ الكلام.حدق أنس بها وهي بين ذراعيه، وكان ينتظر بهدوء أن تقول له "أحبك"، لكنه لم يحصل على رد.انخفضت عيناه المرتعشتان قليلاً، ثم ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتيه، وقال: "لقد طلبت الكثير."فتحت لينا شفتيها، وكادت أن تقول شيئًا، ولكن أنس حملها، ولفها بالمنشفة، ثم حملها عائدًا إلى دورة المياه.في تلك الليلة، لم يتحدث أنس معها كثيرًا، بل احتضنها فقط بقوة من الخلف، وكأن ذلك كافيًا.التفتت لينا له عدة مرات، لكنه لم يُظهر أي رد فعل. فقط عندما تقلبت في الفراش، عاجزة عن النوم، فتح عينيه المغلقتين بإحكام.ربتت أصابعه النحيلة على ظهرها برفق، وهدئها لتنام قائلاً: "لينا، اخلدي إلى النوم. سآخذكِ غدًا إلى مكان ما."وبفضل تهدئته لها، غطت تدريجيًا في نوم مضطرب.لم تتذكر هذا الحلم، لكن
عندما وصل نادر إلى مدينة الشلالات، ورأى أمامه الفيلا الضخمة الشبيهة بالقلعة، انهارت فجأة ملامح وجهه الذي كان دائمًا يحافظ على تناسقه.خفض رأسه ونظر إلى النعال المنزلي الذي كان يعبر عن احتجاجه وعدم اهتمامه بأنس.ثم نظر مجددًا إلى الفيلا، وشعر فجأة أن القرار الذي اتخذه للتو كان متسرعًا بعض الشيء.كان باب الفيلا مفتوحًا على مصراعيه. ابتلع نادر ريقه بصعوبة ثم دلف.عندما رأى أن داخل الفيلا أكثر روعة من خارجها، اجتاحته موجة من الاستياء."سيدة لينا، هل تعلمين أين كنت أقيم في اليوم الذي أخذكِ فيه السيد أنس؟"سألته لينا وهي تلفّ المخطط: "أين؟"ابتسم نادر ابتسامة صافية جامدة، وقال: "أنا أسكن تحت الجسر، برفقة بعض المشردين الأفارقة."توقفت أصابع لينا التي كانت تلفّ المخطط للحظة، ثم قالت معتذرة: "أنا آسفة يا أستاذ نادر، لم أكن أعلم."لوحّ نادر بيده معبرًا عن تسامحه، ثم قال: "رغم أنكِ تقيمين في مكان أفضل مما أقيم فيه، لكنكِ خسرتِ 100 ألف دولار."طالما حالتها أسوأ منه، فلا يزال بإمكانه إيجاد بعض التوازن، لكن..."إذا تزوجتِ من السيد أنس، فلن يكون لهذا المبلغ أي قيمة."أدرك نادر ذلك متأخرًا، وشعر فجأة
تجمدت لينا في مكانها، وحدقت في أنس بنظرة فارغة، وعقلها خالٍ تمامًا.رفع أنس ذقنه قليلاً، وظل يحدق بهدوء في عينيها، كما لو كان ينتظر إجابتها.خفضت لينا رأسها، وأخذت تفكر، لكنها لم تتذكر شيئًا، فقالت معتذرة: "أنا لا أتذكر."لو نادت باسم وليد في حلمها كالسابق، فلن يكون هناك داع لاستمرار ما بينهما.انقبضت يدها المستندة إلى صدره قليلاً، وقالت: "آسفة، سأغادر الآن."وحين همّت بالنهوض لتغادر، أمسك بها أنس وقلبها ليصبح فوقها، وعيناه الجميلتان تحدقان بها.لم يقل شيئًا، بل اكتفى بأن قبل خدها برفق، ثم نهض وحملها، متجهًا نحو دورة المياه.انبعثت من الداخل الأصوات الخافتة لقبلاتهما، وسرعان ما صاحبها صوت الماء.كان الصوت الأخير لأنس، مفعمًا بالرغبة والسحر.قال: "لينا، لقد ناديتِ اسمي أخيرًا في حلمكِ."كانت لينا منهكة بشدة، لكنها تماسكت وواصلت رسم مخطط التصميم، وهي تلعن أنس في قلبها أثناء ذلك.وأخيرًا، أنهت لينا آخر خط تحت وطأة غضبها، وما إن وضعت المسطرة، حتى انهارت على الكرسي.وما كادت أن ترتاح لبضع دقائق، حتى جاءها اتصال من نادر يستعجلها: "هل انتهيتِ؟"أجابته لينا بصوت واهن: "أجل، سألتقط صورة وأرسلها
"لينا"أمسك أنس بالمخطط، ثم نظر إلى لينا المنهكمة في الرسم."سأساعدكِ على استعادة هويتكِ وإنشاء مجموعة خاصة بكِ، ومن ثمّ يمكنكِ التصميم بهويتكِ الخاصة."حين سمعت لينا ذلك، توقفت يدها التي كانت تمسك بمسطرة، ثم رفعت رأسها لتنظر إلى أنس، وهزت رأسها نفيًا بلا تردد."سأحقق حلم أختي أولاً، ثم أستعيد هويتي."لقد استلمت أختها أكثر من خمسين مشروعًا تحبه، لكنها توفيت قبل أن تبدأ بالتصميم.مهما كلف الأمر، ستنهي هذه المشاريع، حتى ترقد أختها بسلام."أما بالنسبة لتأسيس المجموعة، فانسَ الأمر."إنها تريد تحقيق حلم أختها أولاً، ثم الاعتماد على نفسها لتقف معه على قدم المساواة.رغم أنه من المستحيل أن تبلغ مكانته العالية، لكن على الأقل، لن تبقى على حالها الآن، بلا تعليم ولا خلفية.بدا أن أنس فهم ما يجول بخاطرها، فقال لها: "لينا، أنا مستعد لفعل أي شيء من أجلكِ، فلا تبالغي في التفكير."اعتدلت لينا واقفة، ورفعت رأسها لتنظر إلى أنس تحت أشعة الشمس، ثم قالت: "أنا أعلم ذلك، لكن هناك بعض الأمور التي أريد إنجازها بمفردي."إذا وافق على الزواج بها يومًا ما، فعليها أن تعتمد على نفسها لتصل إلى القمة، حتى لا يقال عنها
بعد جهد استغرق الصباح كله، أحضر أنس كومة من أدوات الرسم من غرفة المكتب.مدت لينا يدها لتأخذها منه، لكنه أمسك بيدها، وقادها إلى غرفة مكتب أخرى.وكانت هذه الغرفة أكبر قليلاً من سابقتها، وتغمرها أشعة الشمس، لتنعكس على التصميم الأوروبي للغرفة، فتبث شعورًا بالدفء.بعد أن وضع أنس الأشياء على الطاولة الطويلة، رفع أصابعه الطويلة، وربت بلطف على شعرها القصير."لينا، هل هذه الغرفة تناسبكِ؟""أجل."أرادت رسم مخططات معمارية، وكان هذا المكتب الطويل المصنوع من الخشب المتين كبيرًا وواسعًا بما يكفي لمساعدتها في القياس والرسم.جلست لينا أمام المكتب، وهمّت ببسط الورق لتصميم الإطار، لكن أنس حملها فجأة.سقطت لينا بين ذراعيه، وقالت وعيناها مليئتان بالرفض والخجل: "لا تفعل ذلك"حين سمع أنس ذلك، عادت الابتسامة مجددًا إلى وجهه الشاحب، وقال: "لم تتناولي الغداء بعد، لتتناولي شيئًا أولاً."أساءت لينا فهمه مجددًا، فاحمر وجهها قليلاً من الخجل، ودفنت رأسها في صدره القوي الصلب، ثم تركته يحملها إلى غرفة الطعام.في الساعة الواحدة بعد الظهر، وبعد أن اتفق نادر مع العميل على أسلوب التصميم، أرسل كل التفاصيل إلى لينا، وطلب م