Share

الفصل 5

Author: طماطم خضراء
ربما لاحظ ذلك، وربما لم يهتم من الأساس.

ابتسمتُ بمرارة، وتلاشت آخر ذرة من التردد في قلبي.

إذن، هذا ما كان يقصده حين قال: "سأعاملك جيدا فيما بعد".

أوصلني السائق إلى المستشفى، وبعد سلسلة من الفحوصات، تبيّن أن إصابتي مجرد جروح سطحية مع تحرّك طفيف في بعض الأعضاء.

استلقيت على السرير، كان جسدي كله يؤلمني، لكن شعرت بداخلي بهدوء غريب.

حين حلّ الليل، دخل سامي وملامحه مرهقة،

وحين رآني مستيقظة، ارتسمت على وجهه لمحة من الارتباك.

"رورو، كيف تشعرين الآن؟ هل تشعرين بتحسن؟"

كنتُ أنظر إليه ببرود دون أن أنطق بكلمة.

بدأ يفرك كفّيه بتوتر، محاولًا التفسير:

"لولو كانت خائفة بشدة، بقيت معها طوال الوقت، لذلك..."

تحت نظراتي، قطع كلامه وأغلق فمه بخجل.

"رورو، اسمعيني، كان الأمر طارئًا جدًا، وكانت لولو الأقرب إليّ، فتصرّفت دون وعي..."

توقّف قليلًا، وكأنّه يحاول أن ينتقي كلماته.

"لم أكن أعلم أنك ستصابين بالحادث."

قاطعته ببرود: "متى تنوي الذهاب إلى العاصمة؟"

أجاب بحذر شديد: "سأغادر غدًا."

"حسناً. أشعر بالتعب الآن، يمكنك الانصراف."

أغمضت عيني، وطلبت منه أن يغادر.

ظلّ سامي متردّدًا كأنه يريد قول شيء آخر، لكنه بالنهاية أدرك الوضع وغادر بذكاء.

في اليوم التالي، جاءت أم سامي.

كانت تحمل دلو الطعام الحراري، وعلى وجهها ابتسامة واسعة: "رورو، سامي طلب مني أن أعتني بك."

"هل تحسّنت حالتك؟"

"أصبحت أفضل بكثير، شكرًا لكِ يا أمي."

بينما كانت تصب لي الحساء وتثرثر قائلة:

"سامي هذا الولد، أخرق قليلًا... لا أدري إن كان سيعرف كيف يعتني بلولو..."

توقفت فجأة، وكأنها أدركت ما قالت، فصمتت بإحراج.

"أمي، في الحقيقة من تزوج سامي هي ليلى."

تجمّدت أم سامي واستغرق وقتًا طويلًا حتى أدركت، "ماذا... ماذا تقولين؟"

"استمارة الزواج التي قدّمتها كانت باسم ليلى."

بدت عليها الصدمة أولًا، ثم سرعان ما تحولت إلى فرحة عارمة.

"رورو، حقا أنت فتاة جيدة! كنت أعلم أنك الأطيب والأعقل دائمًا!"

وأمسكت بيدي وهي مفعمة بالسعادة: "شكراً لك يا رورو، شكراً لأنك منحتِهما هذه الفرصة!"

اكتفيت بابتسامة خافتة دون رد.

منحتهما الفرصة؟ في الحقيقة لم أمنح إلا نفسي.

منذ البداية كانت منحازة لليلى، وحتى في حياتي السابقة، رغم أن كنت أخدمها بإخلاص.

إلا أنها حين كبرت، تركت كل الميراث لليلى فقط.

"أمي، رجاءً لا تخبري سامي ولا ليلى بهذا الآن."

ابتسمت أم سامي ابتسامة عريضة: "حسنًا حسنًا، لا تقلقي، فهمت."

"إذًا... ما خططكِ بعد ذلك؟"

"بعد أيام قليلة سأرحل." ولم أبوح بمقصدي.

لا تزال تريد أم سامي أن تسأل، فكل تفكيرها منصب على زواجهما.

فأغمضت عيني متظاهرة بالنوم.

وعندما حان يوم خروجي من المستشفى، لم أخبر أحدًا.

وقبل الرحيل، كتبت رسالة لسامي:

"سامي، عندما تقرأ هذه الرسالة، سأكون في القطار المتجه إلى الجنوب."

"أعلم أنك كنت تحب لولو دائمًا، وأنا أتركك لتكونا معًا."

"لقد انتهى ما بيننا، وأتمنى لكما السعادة."

وضعت الرسالة مع تذكرة القطار المتجهة إلى العاصمة،

وعقد الزواج داخل ظرف، وأرسلتها إلى عنوانه في العاصمة.

وسحبت حقيبتي معي، وتوجّهت مباشرة إلى محطة القطار.‬
Continue to read this book for free
Scan code to download App

Latest chapter

  • بعد الولادة من جديد، لم أعد متعلقًة بالضابط   الفصل 10

    الغرفة لم تكن كبيرة، لكنها كانت نظيفة ومرتبة، واللحاف على السرير يفوح منه عبق الشمس.قال مروان وهو يضع حقيبته بلطف:"ارتاحي قليلًا، السمبوسك سيكون جاهزًا قريبًا."أومأت برأسي وجلست على طرف السرير، أنظر إلى الثلج المتساقط خارج النافذة، وشعرت بسلام وطمأنينة لم أعرفهما من قبل.ربما هذا ما يسمى بالبيت حقًا.في المساء، جلسنا جميعًا حول المائدة، نتناول السمبوسك الساخن.جدته لم تتوقف عن وضع الطعام في طبقي وهي تقول بابتسامة:"رورو يا ابنتي، تعالي دائمًا إلى هنا، أنا سعيدة برؤيتك، والبيت مفتوح لك دائمًا."ابتسمتُ وأومأت، وكان الدفء يغمر قلبي.بعد العشاء، اقترح مروان أن نذهب إلى الحديقة القريبة في نزهة قصيرة.الحديقة شتاءً شبه فارغة، لا يوجد إلا بعض المتصاحبين يتجولون متقاربين، ينعمون بالهدوء النادر.سرنا ببطء بمحاذاة البحيرة، دون أن نتبادل أي كلمة.تساقطت الثلوج علينا بخفة، كأنها حجاب شفاف يغطي الأكتاف.كسرتُ الصمت وقلت همسًا:"شكرًا لك يا مروان."" على ماذا تشكرينني؟""لأنك استقبلتني، وأعطيتني ملجأً دافئًا."حدّق في عيني وضحك بخفة مازحًا: "وهل تردين ذلك بأن تهبيني نفسك؟"توقفت لحظة ثم رفعت رأس

  • بعد الولادة من جديد، لم أعد متعلقًة بالضابط   الفصل 9

    "إذا كنتَ حقًا تريد التعويض، فاهتم بليلى وعش معها حياة هادئة،""ولا تقترب مني مجددًا. هذا أفضل لنا نحن الشقيقتين."نظر إليّ بعينين باهتتين وصوت يحمل بعض الاستياء: "لكنني دائمًا أشعر أن زوجتي الحقيقية كان يجب أن تكون أنتِ."نفد صبري تمامًا، فطلبت منه المغادرة مباشرة:"سامي، يجب أن ترحل الآن. ما تقوله ليس في محله، وهذا المكان ليس مكانك."وقف منكسرًا، خطاه مثقلة وهو يغادر غرفتي.تابعتُ ظهره وهو يبتعد، وقلبي بلا أي اضطراب.ففي الحياة السابقة والحالية، ظل مترددا بين امرأتين، طامعًا أن يمتلك كلاهما.بدأت أفكر أنه بما أن سامي وليلى يعيشان هنا بالفعل،فلا ضرورة لأن أبقى أنا.أما عائلة الكيلاني، فلم تكن بيتي أبدًا.في صباح اليوم التالي، رتبت أمتعتي وطرقت باب غرفة أم سامي.وضعت بطاقة مصرفية في يدها وقلت بهدوء:"خالتي، شكرًا لكم على رعايتكم لي طول هذه السنوات.""في البطاقة المال الذي ادخرته خلال الأعوام الماضية، اعتبريه ردًا لجميلكم ورعايتكم."تجمدت للحظة، وحاولت أن ترفض: "رورو، لا يجوز هذا...""خذيها،"قلت وأنا أحمل حقيبتي ببرود: "لدي شؤون في الجامعة، سأغادر الآن."بعد أن أنهيت كلامي، خرجت من عا

  • بعد الولادة من جديد، لم أعد متعلقًة بالضابط   الفصل 8

    في النهاية، هم من ربّوني، ولا أستطيع أن أكون قاسية بلا رحمة.بعد تفكير طويل، قررت أن أشتري تذكرة القطار، وحملت معي حقائب مليئة بالهدايا وعدت إلى مدينة الصخراء.ما إن دخلت باب بيت عائلة الكيلاني حتى سمعت صراخًا حادًا مليئًا بالشتائم."سامي، ماذا تقصد بهذا التصرف؟""أخبرك أنني أحمل طفلك في بطني، ولم آتِ لأتعرّض للإهانة!"تجمدتُ في مكاني، ورأيت ليلى ببطنها المنتفخ، وهي تصرخ في وجه سامي.كان وجه سامي شاحبًا ومشدودًا بالعصبية، لكنه لم يجرؤ على الرد، بل حاول تهدئتها بصوت متوسّل."لولو، هدئي نفسك، قال الطبيب إنه لا يجب أن تنفعلي كثيرا الآن، فذلك يضر بالجنين.""أريد ذلك المعطف الآن! اذهب فورًا لتشتريه!""لولو، سأشتريه لك في المرة القادمة، حسنا؟ راتبي هذا الشهر قد انتهى."اعتنى سامي بها بحذر وسندها لتجلس."هذا كله لأنك عاجز، وما زلت مجرد قائد الكتيبة! هل أعطيت أموالك لأختي؟"تغير ملامح وجه سامي، وقال: "لولو، لا تتكلمي هكذا، لقد انتهى الأمر بيني وبينها منذ زمن.""انتهى؟ أتحسبني غبية؟ أنت تراسلها كل فترة، وتظن أنني لا أعلم؟""أنت لا تفكر بي أصلًا، أنت لا تحمل في قلبك إلا هي!"صرخت ليلى وهي تبكي و

  • بعد الولادة من جديد، لم أعد متعلقًة بالضابط   الفصل 7

    نظر المدير إليّ، ثم نظر إلى سامي، ثم صمت برهة وقال:"سيد سامي، بما أن ليس لك أي صلة بالطالبة رنا، فلا يحق لك أن تقوم بإجراءات فصلها من الجامعة."تنفست الصعداء أخيرًا.كان يريد سامي أن يقول شيئًا، لكن المدير قاطعه:"سيد سامي، إذا لم يكن هناك أمر آخر،""فالرجاء المغادرة. لدي أعمال أخرى يجب أن أتابعها."في الأيام التالية، ما زال سامي يطاردني مثل ظل لا يفارقني.أرهقني بإلحاحه المستمر حتى تأثرت فعالية دراستي.وما زاد الأمر سوءًا أن جاءت ليلى أيضًا، فأزعجني ذلك أكثر."حبيبي سامي، أرجوك، دعنا نعود ونكمل إجراءات الطلاق!""لا أريد هذا، لا أريد أن أخطف زوج أختي،""أنا... أنا إنسانة سيئة..."تشبثت بطرف ثيابه تبكي بحرقة.أشفق سامي عليها وعانقها وربت على ظهرها برفق:"لولو حبيبتي، لا تبكي، هذا ليس خطأك.""سنعود الآن، أنا من قصّر بحقك وجعلك تشعرين بالظلم..."كانت ليلى تبكي بحزن شديد وكأنها همّت أن تركع أمامي:"أختي، سامحيني، لا تغضبي من حبيبي سامي، أنا أعرف أنّ الأمر كان مجرد سوء فهم حول العلاقة بيني وبينه.""لا تركعي، الخطأ مني، جعلتك تتحملين ما لا يليق، سنعود الآن معًا."ثم رمى إليّ نظرة حادّة، كأن

  • بعد الولادة من جديد، لم أعد متعلقًة بالضابط   الفصل 6

    كان هواء مدينة البحار رطبًا ودافئًا، ووقفت أمام جامعة مدينة البحار بشيء من الشرود.وأمشي في الحرم الجامعي، شعرت وكأني نلت فرصة جديدة للحياة.في النهار، أجلس في قاعة الدرس أصغي بانتباه، وأرتوي من غذاء العلم.وفي الليل، أعمل في مطعم صغير، أنقل الصحون وأغسل الأطباق، حتى يؤلمني ظهري من التعب.لكن هذا الإرهاق، كان يمنحني شعورًا بالطمأنينة.وبعد شهر، بدأت أعتاد على هذا الانشغال الممتلئ بالجدوى.إلى أن رأيت سامي واقفًا أمام سكن الطلبة."رنا! لماذا فعلتِ هذا؟""لماذا كتبتِ اسم لولو في استمارة الزواج؟ ولماذا لم تذهبي إلى العاصمة؟!"كان صوته مليئا بالغضب والحيرة.نظرت إليه ببرود: "لا أريد زوجًا قلبه مليء بامرأة أخرى.""هذا مقزز… ومؤلم إلى حد الاختناق!"نظر إليّ غير مصدّق: "كيف تقولين هذا الكلام؟ لم تكوني هكذا من قبل."أدرت وجهي مبتعدة، وغمرتني موجة من الغثيان اجتاحت معدتي.لم أرغب أن أنظر إليه، ولا حتى لثانية واحدة."سامي، أريد الآن أن أدرس فقط وأبدأ حياة جديدة.""ليلى هي الشخص الذي أردته منذ البداية، أليس كذلك؟"" عليكما أن تحافظا على بعضكما، توقف عن إزعاجي."عبث بشعره باضطراب وقال: "ماذا تقولي

  • بعد الولادة من جديد، لم أعد متعلقًة بالضابط   الفصل 5

    ربما لاحظ ذلك، وربما لم يهتم من الأساس.ابتسمتُ بمرارة، وتلاشت آخر ذرة من التردد في قلبي.إذن، هذا ما كان يقصده حين قال: "سأعاملك جيدا فيما بعد".أوصلني السائق إلى المستشفى، وبعد سلسلة من الفحوصات، تبيّن أن إصابتي مجرد جروح سطحية مع تحرّك طفيف في بعض الأعضاء.استلقيت على السرير، كان جسدي كله يؤلمني، لكن شعرت بداخلي بهدوء غريب.حين حلّ الليل، دخل سامي وملامحه مرهقة،وحين رآني مستيقظة، ارتسمت على وجهه لمحة من الارتباك."رورو، كيف تشعرين الآن؟ هل تشعرين بتحسن؟"كنتُ أنظر إليه ببرود دون أن أنطق بكلمة.بدأ يفرك كفّيه بتوتر، محاولًا التفسير:"لولو كانت خائفة بشدة، بقيت معها طوال الوقت، لذلك..."تحت نظراتي، قطع كلامه وأغلق فمه بخجل."رورو، اسمعيني، كان الأمر طارئًا جدًا، وكانت لولو الأقرب إليّ، فتصرّفت دون وعي..."توقّف قليلًا، وكأنّه يحاول أن ينتقي كلماته."لم أكن أعلم أنك ستصابين بالحادث."قاطعته ببرود: "متى تنوي الذهاب إلى العاصمة؟"أجاب بحذر شديد: "سأغادر غدًا.""حسناً. أشعر بالتعب الآن، يمكنك الانصراف."أغمضت عيني، وطلبت منه أن يغادر.ظلّ سامي متردّدًا كأنه يريد قول شيء آخر، لكنه بالنهاي

More Chapters
Explore and read good novels for free
Free access to a vast number of good novels on GoodNovel app. Download the books you like and read anywhere & anytime.
Read books for free on the app
SCAN CODE TO READ ON APP
DMCA.com Protection Status