Share

الفصل4

Author: البطلة المشاغبة
"بييب—"

كان صوت فتح القفل واضحًا بشكل لافت وسط سكون الليل.

توقّفت سلوى في مكانها.

إذن… هو يسكن هنا أيضًا؟

التفت تامر نحوها، ورأى تعبيرها المذهول، فارتسمت على شفتيه ابتسامة ساخرة وهو يقول: "جارتي، ألن تلقي التحية؟"

اشتعلت حرارة خفيفة عند أطراف أذنيها.

آه، لقد كانت هي من توهّمت بلا سبب.

"أنا…" فتّحت فمها، لكنها لم تعرف ماذا تقول.

استند تامر إلى إطار الباب، وكان ضوء القمر يكسو جسده بهالة فضية.

قال بصوت بطيء هادئ: "سلوى، هل كنتِ تسرحين بخيالك مرة أخرى قبل قليل؟"

رفعت رأسها بسرعة، لتلتقي بنظراته الساخرة.

لقد أدرك ما يدور في ذهنها مجددًا.

"أنا، لستُ أقصد ذلك…"

"تصبحين على خير، جارتي."

قاطعها تامر، وابتسم لها، ثم استدار ودخل إلى البيت.

وفي اللحظة التي أُغلق فيها الباب، استطاعت سلوى أن تخرج نفسًا طويلًا.

يا لها من... مصادفة حقًا.

تلك الليلة، لم تستطع النوم.

استلقت على سريرها، تحدّق في السقف، تستمع إلى هبوب الرياح القادمة من الخارج بين الحين والآخر.

خلال السنوات الخمس الماضية، ازداد أرقها سوءًا، وصارت تعتمد على الأدوية كي تنام بصعوبة.

حتى إنها تناولت الليلة قرصين كاملين.

ومع أول ضوء للصباح يتسرّب عبر شقوق الستائر، فتحت سلوى عينيها لتدرك أنها قضت الليل كلّه مستيقظة.

فركت عينيها المرهقتين، ونهضت لتغسل وجهها.

كان وجهها المنعكس في المرآة شاحبا، وتحت عينيها ظلّ خفيف يميل إلى الزرقة.

تنهدت، ونثرت الماء البارد على وجهها محاولةً استعادة يقظتها.

يجب أن تعود ظهر اليوم إلى عائلة رياض لحضور مأدبة العائلة.

هذا هو التحدّي الثاني، ولا مجال أن تفشل فيه.

كان صوت والديها بالتبنّي في مكالمة الأمس مألوفًا وغريبًا في نفس الوقت، خمس سنوات كفيلة ببناء جدار خفي بينهم.

فالقرابة بينهم كانت علاقة قصيرة العمر منذ البداية.

فبعد فشل تجارة والديها، انتحر والدها، وتوفت أمها حزنًا واكتئابًا، فتبنّاها صديق والدها وهي في العاشرة من عمرها، وقد كانت ممتنّة لهم لأنهم ربّوها حتى كبرت.

لكنّ العيب… كان منها هي.

عادت سلوى إلى وعيها، وكانت تفكّر هل ستُحضّر فنجانًا من القهوة أم لا.

وفجأة دوّى طرقٌ خفيف على الباب.

تجّمدت سلوى في مكانها، واتجهت فورًا نحو شاشة المراقبة.

ظهر تامر واقفًا بكسل أمام الباب، يرتدي ملابس نوم سوداء فضفاضة، مفتوحة عند الياقة قليلًا، تكشف جزء من عظمة الترقوة.

وكان شعره لا يزال مبعثر، مما يدل أنه استيقظ من وقت قصير.

عقدت حاجبيها بقلق.

تقدّمت نحو الباب، وفتحته بحذر شديد بمقدار شق صغير ونظرت إليه بتيقّظ قائلة: "…هل هناك شيء؟"

خفض تامر نظره إليها من علٍ، وبدت في عينيه ابتسامة متراخية كسولة.

سأل فجأة: "هل أنا آكلُ البشر؟"

ارتبكت سلوى وهزّت رأسها.

"إذن لِمَ كل هذا الخوف مني؟" رفع حاجبه يسألها.

عضّت سلوى على شفتيها، وفكّرت— وريث أكبر عائلة اقتصادية في مدينة البحر، وابن الزعيم لأقوى المنظمات السرية في مدينة مونتريال، من الذي لا يخافه؟

لو أنها عرفت هويته منذ البداية، لما كانت ساذجة لدرجة أن تعتبره طوق نجاة.

ضحك تامر بخفوت، وكأنه قرأ تفكيرها، ثم قال: "يا جارتي الصغيرة، هل لديكِ شيء يؤكل؟"

تفاجأت سلوى من طريقته في طلب الطعام وكأنه أمر طبيعي.

تجمّدت قليلًا ثم هزّت رأسها: "…لا يوجد."

فهي لم تعتد تناول الفطور منذ زمن.

حين كانت تعيش خارج البلاد، اعتادت العمل على معدة فارغة حتى الظهر، ومع الوقت تركت عادة الإفطار تمامًا.

عقّد تامر حاجبيه: " بعد كل تلك السنوات، ما زلتِ لا تتناولين الإفطار؟"

صمتت ثم قالت بصوت خافت: "لا توجد مكوّنات في البيت، آسفة."

حدّق تامر فيها للحظات، ثم قال: "لديّ في المنزل."

نظرت إليه بتعجّب: "...؟"

قال وهو يميل برأسه قليلًا تجاه بيته:

"تعالي إلى بيتي… اجلسي."

كانت كلمة "اجلسي" التي نطقها بصوته الأجش مُحمّلة بظلال من الإيحاء الخافت.

وكان وقعها في أذنها مثل…تعالي إليّ.

وقفت سلوى خلف الباب، وأطراف أصابعها تنغرس بلا وعي في كفّها، فيما انقبض قلبها.

"هل ستأتي؟"

كانت كلماته تبدو كفخّ، أو كدعابة، لكن الثبات في عينيه وهو يخبرها… كان يوحي أنه جاد.

"أنا…" فتحت فمها، لكن كلمات الرفض تجمّدت علي طرف لسانها.

رفع حاجبه ببطء: "لن تأتي؟"

وكأنه نبرته تقول: "لا تجرئين؟"

أو بالأحرى يقول: إن لم تأتي، سوف تندمين.

عقدت سلوى حاجبيها قليلًا، فبعد كل هذه السنوات ما زالت تخشاه.

تنهدت في سرّها، وفتحت الباب، ثم تبعته إلى الخارج.

كان الخارج مغمورًا بضوء ربيعي صافٍ، وهواء نديّ بعد المطر.

شعرت وكأن تامر لا يقودها خارج باب المنزل فقط، بل يخرج بها من ظلّ ماضيها المعتم.

رمشت سلوى قليلًا، ورفعت عينيها خلسة لتنظر إلى ظهره الطويل الذي يعلوها برأسين، فارتخى شيء ما في أعماقها للحظة.

كانت فيلّته أكبر من منزلها بمرتين تقريبًا، وطرازها الداخلي كان مختلف تمامًا.

ما إن فُتح الباب حتى اندفع نحوها عبق الأرز البارد، ممتزجًا بلمحة خفيفة تكاد تُدرَك من رائحة التبغ.

كان المكان كلّه قائمًا على درجات الأسود والرمادي والأبيض، بخطوط حادة ومنضبطة، تُشبه تمامًا الانطباع الذي يتركه صاحبه— حاد، متماسك، ولا يُمسّ.

قال تامر وهو يشير إلى غرفة الجلوس: "اجلسي حيث تشائين." ثم اتجه نحو طاولة الطعام: "والثلاجة هناك… تفقديها بنفسك."

جالت نظرة سلوى في أرجاء الصالة، فرأت على الأريكة عدة معاطف باهظة الثمن ملقاة بإهمال، وعلى المسند كان المعطف الذي ارتداه البارحة، ذاك الذي تعلّق شعرها به.

فجأة سمعت صوت تامر قريبًا جدًا من أذنها: "ما الذي يشدّ انتباهك هكذا؟"

ارتجفت سلوى وعادت إلى وعيها، لا تدري متى أصبح واقفًا خلفها، قريبًا جدًا.

خطت خطوة إلى الأمام، وقالت بتوتر: "لا… لا شيء."

اتبع تامر مسار نظرتها، فوقعت عيناه على المعطف، فارتسمت على شفتيه ابتسامة صغيرة دون أن يعلّق.

اتجهت سريعًا إلى المطبخ لتحويل الحديث وقالت: "سيد تامر. ماذا تود أن تتناول؟"

"أي شيء." قالها وهو يتبعها بخطوات هادئة.

فتحت سلوى الثلاجة، ففوجئت بكمية المخزون الكبير بداخلها.

خضروات طازجة، لحوم ممتازة، ومختلف منتجات الألبان… أيّ ثلاجة هذه لرجل يعيش وحده؟

لم تستطع منع نفسها من الالتفات لتسأله: "هل تطبخ بنفسك؟"

قال تامر وهو يستند إلى طاولة الجُزُر ويلتقط تفاحة يلعب بها بين أصابعه: " العاملة تجهز كل شيء. نادراً ما آكل هنا."

أومأت سلوى، وانتقت بعض البيض واللحم المدخن وشرائح التوست: "إذن… فطور بسيط."

"كما تشائين." قال وهو يعضّ التفاحة.

بدأت سلوى بإعداد الطعام.

سخّنت المقلاة، وصبّت قليلًا من الزيت، ثم كسرت البيض. كان صوت الطهي المتطاير واضحًا في هدوء المطبخ.

لاحظت سلوى أنّ تامر اقترب منها كثيرًا، لدرجة أنه لو مالت قليلًا إلى الخلف لاصطدم ظهرها بصدره.

أرادت أن تنبّهه، لكنها لم تعرف كيف تبدأ الكلام.

كان تامر دائمًا رجلاً يعرف حدوده ويتعامل بانضباط واضح، حتى في الليالي التي جمعت بينهما في الماضي، كان يتوقف في الوقت المناسب، ولا يسمح لنفسه بإظهار أي مشاعر إضافية، ولو بقدرٍ ضئيل.

وأبعد ما يكون عن إظهار أي ملامح حميمية.

فكيف… أصبح هكذا اليوم؟

قال بصوت خافت: "اقلبيها."

ذكّرها تامر بصوت منخفض.

عادت سلوى إلى وعيها، وقلبت البيضة بارتباك، وقلبها يخفق على نحوٍ غير طبيعي.

فما يجري الآن… غريب للغاية.

خمسة أعوام بلا لقاء، وهذه مجرد ثاني مرة يلتقيان فيها… فكيف يجلسان في مطبخ واحد كأنهما زوجان يعيشان معًا منذ سنوات؟

سألته لتغيير الحديث: "هل تريد الحليب ساخنًا ؟"

"نعم."

كان تامر قد ابتعد بالفعل وجلس عند المائدة، يسند وجهه إلى كفيه كطفل ينتظر فطوره، "أضيفي العسل، أحبّ الطعم الحلو."

توقفت سلوى لحظة، ثم رفعت حاجبها بابتسامة غريبة.

وريث عائلة فراج، الرجل الذي يرهب قطاع الأعمال في مدينة البحر بمجرد ذكر اسمه، يحب في الإفطار شرب الحليب بالعسل؟

ضاق بعينيه وسأل: "ما الذي يضحككِ؟"

"لا شيء." ضمّت سلوى شفتيها، وصبّت الحليب الساخن في الكوب وأضافت ملعقة عسل وحرّكته، "تفضل."

أشار تامر إلى المقعد المقابل: "اجلسي."

ترددت سلوى قليلاً: "في الحقيقة، أنا لا أشعر بالجوع…"

قال بوضوح: "يا جارتي الصغيرة. ما دمتِ قد أعددتِ الإفطار، يجب أن تأكليه، أم تريدين إهدار الطعام؟"

كانت نظرته حادة، كأنها ترى كل ما يدور بداخلها.

استسلمت سلوى أخيرًا، وجلست ببطء، ثم تناولت شريحة من الخبز وبدأت تقضمها في صمت.

كان تامر يتناول إفطاره بصمت، ولم ينطق أحدهما بكلمة.

أشعة الشمس انسكبت عبر الزجاج، ترسم ظلالًا هادئة بينهما.

وفي تلك اللحظات، لم يكن يُسمع سوى خفوت اصطدام أدوات المائدة.

يا لهذا الهدوء.

حتى إن سلوى شعرت بأن قلبها هو الآخر قد هدأ.

...

لكن في اللحظة التالية، دوّى هاتف سلوى فجأة.

كان الاتصال من سامي.

كان الهاتف موضوعًا في منتصف الطاولة، لذلك رآه تامر فورًا.

حدّق تامر في الكلمتين "سامي رياض" الظاهرتين على الشاشة، وانطفأت نظراته على الفور ببرود حاد.

عقد حاجبيه بضيق، ووضع كوب الحليب بقوة واضحة على الطاولة.

كان الصوت عاليًا بما يكفي ليُفزع سلوى.

كانت سلوى ترتعب بسهولة، وتامر دائمًا ما يثير خوفها.

ظل الهاتف يرنّ، فاضطرت للردّ أخيرًا: "ألو… سامي؟"

وجاء صوت سامي عبر السماعة هادئًا: "سلوى، بما أنك عدتِ للتو، وخشية أن ترهقي نفسك، سأرسل أحدهم ليأخذك إلى البيت."
Continue to read this book for free
Scan code to download App

Latest chapter

  • حين يقبلني يخفق قلبي   الفصل30

    كان صوت سامي ونظرته باردين حدّ القسوة، فأصاب قلب سلوى بالألم.وعندما يشتد الألم بالإنسان، لا يجد إلا الرغبة في المقاومة.لماذا يُبدي سامي هذا الانفعال الشديد؟ ولماذا يستجوبها؟أليس يعلم أنها تملك "حبيبًا"؟وحين خطرت لها هذه الفكرة، نشأت في قلبها فجأة نزعة تمرّد.فلديها حياتها الخاصة، فبأي حقّ يخضعها لهذا النوع من الاستجواب؟أنزلت سلوى يدها ببطء، ورفعت رأسها لتنظر إليه، وفي عينيها سكون نادر: "أخي، هذه شؤوني الخاصة"."شؤونك الخاصة؟" بدا سامي كأنه سمع مزحة، وانخفض صوته فجأة: "أنتِ من عائلة رياض، أنتِ أختي، وما يخصك لا يُعدّ شأناً خاصًا!"لم تفهم سلوى.لماذا بعد خمس سنوات، يتقلّب مزاج سامي الذي كان دائمًا باردًا ومتحفّظًا، إلى هذا الحد؟ولِمَ يكون دائمًا هذا الانفعال موجّهًا نحوها فقط؟أيعقل أنه يكرهها إلى هذا الحد؟ففي نظره، حتى لو كانت شهد متنمّرة معروفة، فإنها تبدو دائمًا مشرقة وجاذبة للعطف.أما هي، فمجرد أن تقوم بأمر لا يوافق توقعاته، يصبح أمرًا غير مقبول على الإطلاق.استمر سامي في مطالبتها بالإجابة بنظراته. لكنها لم تُجب.أليس يعرف الجواب أصلًا؟إنها تملك "حبيبًا"!تجمد جوّ المكان، و

  • حين يقبلني يخفق قلبي   الفصل29

    هزّت سلوى رأسها بهدوء، ونبرة صوتها خافتة.لا يوجد أي داعٍ لهذا مطلقًا.لكن شيئًا من الدفء تسلل إلى قلبها.فعندما يتعلق الأمر بمن نُكنّ لهم الاهتمام، حتى لو ظننا أننا لم نعد نهتم، يكفي أن نحصل على قدر بسيط من اللطف لنتناسى الجراح.اتضح أنه لم ينسَ أفكارها تمامًا، بل إنه سيأخذها بالفعل لشراء واحد جديدة."لا داعي يا أخي، لقد قلتُ لك البارحة إنني كنت أمزح معكم فحسب."مرّ في قلبها خاطر خفيّ يحمل قليلًا من الشر— ففي النهاية، شهد لم تستطع الاحتفاظ بذلك العقد، فلم يعد هناك ما يستدعي أن تتعلّق به.إلا أنّ سامي لم ينوِ التوقف عند هذا الحد، فغيّر اتجاه الحديث قائلًا: "لا بأس، خاتم زفافي لم أختَرْه بعد، رافقيني لنراه سويًا وتساعديني في الاختيار."وحين نطق بكلمتا "خاتم الزفاف" انغرستا في قلب سلوى كإبرة رفيعة.تجمّدت نظرتها للحظة، وتبدّد الدفء الذي كان يتصاعد في عينيها، ولم تستعد توازنها إلا بعد وقت.لم تكن ترغب في الذهاب، فبحثت عن عذر قائلة بصوت منخفض: "لديّ عمل اليوم، قد لا يسمح وقتي..."قاطَعها سامي مباشرة، وبنبرة لا تقبل رفضًا: "لا تشغلي بالك بالعمل. لقد قابلتُ سابقًا رئيس مجلس إدارة شركتكم، سأُ

  • حين يقبلني يخفق قلبي   الفصل28

    في ذلك الوقت، لم تكن سلوى قد تعرّفت بعد إلى تامر.لكن تامر، بعد أن استمع إلى سلوى وهي تذكر تلك الأمور ببساطة، كان يستطيع أن يتخيل بوضوح عمق الآثار النفسية التي تركتها فيها.قال تامر بصوت يحمل شيئًا من الفهم المتوقع: "نامي، سأبقى إلى جوارك."ضمت سلوى شفتيها قليلًا، وشعرت وكأن دفئًا لطيفًا يغمر قلبها.أغمضت عينيها، وبدأ القلق الذي كان دائمًا يزداد ليلًا يتبدد شيئًا فشيئًا، ولم يمض وقت طويل حتى غفت بسلام.كانت تلك هي المرة الأولى التي تنام فيها بطمأنينة من دون الاعتماد على الدواء.جلس تامر إلى جانبها، يتأمل ملامح نومها الهادئة، رموشها المائلة إلى الأسفل تلقي ظلًا رقيقًا تحت عينيها، فامتلأ قلبه برقّة لا توصف.نهض يستعد للمغادرة.لكن بصره وقع فجأة على زجاجات الدواء الموضوعة فوق خزانة السرير.كانت عدة زجاجات مصطفّة، وقد انتُزعت ملصقاتها كلها بعناية.أخذ تامر إحدى الزجاجات، وأخرج منها حبة دواء بيضاء، وراح يقلبها بين أصابعه وقد ازداد نظره عمقاً.أعاد الحبة إلى الزجاجة، وغادر غرفة النوم، ثم أخرج هاتفه وأرسل رسالة إلى مساعده."تعال وخذ هذا الدواء، وافحصه، وأخبرني النتيجة في أسرع وقت."——في صباح

  • حين يقبلني يخفق قلبي   الفصل27

    كان تامر ينظر إلى أطراف عيني سلوى المحمرة، وهو على يقين في داخله أنها لا بد أن تكون ثملة.فلو لم تكن ثملة، وبحسب جرأتها المعتادة، لما كانت لتجرؤ على قول إنها تريد تقبيله، بل لم تكن لتتجرّأ حتى للتحدث معه ببضع جمل إضافية يحتاج منها إلىط تردد طويل و تفكّير حذر. فمن أين جاءتها كل هذه الجرأة اليوم.لم يُظهر تامر أي رحمة في كلماته، إذ قال بنبرته المعتادة التي تحمل شيئًا من الاستفزاز: "ماذا؟ حتى الأشياء التي أهديتك إياها لا تستطيعين الحفاظ عليها؟"انقبضت أنامل سلوى قليلًا، ولم ترد.هي أيضًا كانت تشعر بأنها عديمة الجدوى، حتى قلادة أهديت إليها لم تستطع حمايتها.لكن قبل أن تسترسل في التفكير، كان تامر قد مد يده وحملها من تحت ذراعيها فجأة.تصلّبت أطرافها كلها، كأرنبٍ مذعور، وأمسكت بخفة بحافة خزانة الأحذية محاولةً الاتزان.وقالت بصوتٍ يحمل خوفًا وحذر: "أنت… ماذا تنوي أن تفعل؟""النوم."قالها تامر وكأن الأمر بديهي، وذراعاه ثابتتان لا ترتجفان.اشتعل وجه سلوى خجلًا، واحمرّ حتى أطراف أذنيها، واشتدت قبضتها أكثر على الخزانة: "أنا… أنا قلتُ فقط إني أريد تقبيلك، لم أقل إنني…"ولم تستطع إكمال الجملة، لكن ا

  • حين يقبلني يخفق قلبي   الفصل26

    ركضت شهد إلى الطاولة بملامح يملؤها الضيق، وأمسكت بذراع سامي وقد احمرّت عيناها قائلة: "سامي، اختفى العقد! قبل قليل صدمني رجل سكران فاختفى! أرجوك أرسل أحدًا للبحث عنه!" كان سامي يحمل كأسًا بيده، فما إن سمع كلامها حتى رفع عينيه قليلًا وقال بصوت خالٍ من الانفعال: "فليضع… لا بأس." تجمدت شهد للحظة، فلم تكن تتوقع هذا الرد. لم تكن تعلم أن سامي لم يعطِ ذلك العقد قيمة منذ البداية، ولم يكن مصرًّا على إهدائه لها، بل فقط لم يكن يريد أن يبقى مع سلوى.والآن بعدما فُقد، لم يُبدِ أي اهتمام إضافي.عادت سلوی إلى المنزل. خلعت حذاءها دون تشغيل الأضواء، وتوجّهت مباشرة إلى الحمّام. انهمر الماء بقوة، فنزعت ملابسها ودخلت حوض الاستحمام.عندما غمرت المياه الدافئة صدرها، شعرت أنها كسمكة على وشك الموت، ثم عادت فجأة إلى الماء بعد الاختناق، فالتقطت خيطًا ضعيفًا من الشعور بالأمان.حدّقت في الفقاعات فوق سطح الماء، بينما كانت وصايا الطبيب تتردد في ذهنها.إن شرب الكحول يمنعها من تناول الأدوية.لكن ألم صدرها كان يتصاعد، وأطرافها كلها ينهشها الوهن. قبضت على حافة الحوض حتى شحبَت أطراف أصابعها، وعيناها غارقتان في شرود.

  • حين يقبلني يخفق قلبي   الفصل25

    لئلّا تُهجر مرة أخرى من أسرتها.أخذت سلوى نفسًا عميقًا، ورمشت بقوة لتُزيح الرطوبة التي تجمّعت في عينيها، ثم شدّت طرفي شفتيها في ابتسامة متيبّسة.قالت: "أخي سامي، لا تغضب، كنت أمزح معك فحسب."القشرة التي ولدت فيها رغبتها في المقاومة تَصدّعت من جديد، فعادت سلوى إلى قوقعتها الخائفة المطيعة.قدّمت علبة الحلي إلى شهد، محاولة أن تُلطّف نبرة صوتها: أختي شهد، انظري، هذه السلسلة تليق بكِ كثيرًا، كنت أمازحكِ فقط."لمعت في عيني شهد لمعة انتصار، لكنها تقمّصت مظهر المندهشة، وهي تستلم العلبة قائلة: شكرًا لكِ، يا سلوى، كم أنتِ لطيفة!"ثم أمسكت بذراع سامي وتدلّلت: انظر كيف أرعبتَ أختك الصغيرة، إنها مجرد قلادة."وعندما رأى سامي أنها هدأت، لانت ملامحه قليلًا، فربّت على كتف سلوى وقال: نحن أسرة واحدة، لا حاجة لكل هذا التشدد."ابتسمت سلوى ولم تقل شيئًا.أسرة واحدة…وحين هبّت نسمة باردة، فأحسّت بحرقة أشد في عينيها.اختبأت شهد خلف سامي، وغمزت لصديقتها، ولوّحت لها بالسلسلة التي صارت غنيمتها.شعر سامي أن الجو بارد، وأدرك أن سلوى ترتدي ما هو خفيف.مدّ ذراعه ليحميها ويقودها إلى الداخل: هيا ندخل، الجو هنا بارد.ت

More Chapters
Explore and read good novels for free
Free access to a vast number of good novels on GoodNovel app. Download the books you like and read anywhere & anytime.
Read books for free on the app
SCAN CODE TO READ ON APP
DMCA.com Protection Status