Share

الفصل5

Author: البطلة المشاغبة
"قالت سلوى بشكل تلقائي رافضة: "لا داعي لذلك، يمكنني أن أستقل سيارة أجرة."

صمت سامي لبرهة، بدا وكأنه يريد

قول شيء، ثم تراجع.

هل ما زالت تفكّر في ما حدث البارحة؟

"كيف أصبحت حسّاسة وهشّة هكذا بعد بضع سنوات من السفر؟"

"سلوى، أنا…"

في اللحظة التي فتح فيها سامي فمه، مال تامر فجأة نحوها.

قال لها بصوت منخفض: "حليبكِ… سيبرد."

ارتجفت يد سلوى وكادت تُسقط الهاتف.

حدّقت فيه بعينين متسعتين، بينما رفع حاجبيه ببراءة مصطنعة.

لقد فعلها عن قصد!

"من بجانبكِ؟"

"سلوى، أين أنتِ؟ ولماذا أسمع صوت رجل؟"

قالت سلوى بارتباك: "لا… لا أحد…أشاهد مسلسلًا، والصوت من التلفاز…"

حدّقَت سلوى في تامر بغضب، بينما ارتسمت على شفتيه ابتسامة منتصرة، وبدأ يشرب الحليب ببطء متعمّد.

قال سامي بلهجة لا تقبل الرفض: "سآتي لآخذك بنفسي. ابقي في المنزل."

قالت سلوى محاولة الرفض مجددًا: "حقًا لا يوجد داعي… أخي، أستطيع العودة وحدي…"

أخي…

منذ عودتها هذه المرة، وهي لا تناديه إلا بلقب أخي.

قاطعها سامي قائلاً بصوت منخفض: "في السابق… لم تكوني تنادينني "أخي" أبدًا."

"صحيح."

نعم، لقد تبنّتها عائلة سامي عندما كانت في العاشرة من عمرها.

سامي يكبرها بعام واحد فقط.

لم تكن تناديه أخي أبدًا.

في البداية كان السبب أنها لم تعتد على ذلك.

ثم حين كبُرت، كانت تفكر سرًا: "لو لم تنادِه بأخي، فهل يعني ذلك أنهما ليسا أقرباء، وحينها ربما يمكنها أن تحبه؟"

لكن بعد ذلك، مع تنمّر شهد، ومع ما حدث خلال علاجها في الخارج…

كان الجميع يكررون لها مرارًا وتكرارًا: "سامي هو أخوكِ، ولن يكون سوى أخيكِ!"

...

استغرقت عامين كاملين لترسّخ هذا الواقع داخل قلبها كحقيقة ثابتة.

ولتتخلّص من ردّات فعلها الحادة تجاه هذا اللقب.

"… ابقي في البيت."

اكتفى سامي بقول هذه الجملة، ثم أنهى المكالمة."

تنفّست سلوى الصعداء ووضعت الهاتف، وكانت راحتها مبلّلة بطبقة رقيقة من العرق.

"أخوكِ لطيف جدًّا معك."

قال تامر ذلك فجأة، لكن في صوته نبرة واضحة من السخرية اللامبالية.

وقعت عيناه على نصف الندبة البارزة من أسفل كمّ سلوى، فخفتت نظرته قليلًا.

سحبت سلوى يدها بخفوت، وقالت ببرود آلي: "لقد كان دائمًا أخًا جيدًا."

"هه."

سخر تامر ضاحكًا بخفة.

"إذن عندما تعرّضتِ لذلك التنمّر البشع في المدرسة، لماذا لم تذهبي لذلك "الأخ الجيد"، وجئتِ إليّ بدلًا منه؟"

اتسعت عينا سلوى في صدمة.

ذلك اليوم… ذلك اليوم الذي ما زالت لم تستطع نسيانه.

كان المطر غزيرًا، والبرد لا يُحتمل…

تمزقت ملابسها، رُسمت على وجهها خطوط مهينة، وكان الحرق في ظهرها يؤلمها بشدة، ودُفعت بقوة فوق أرض الملعب، لتسقط في المطر بشكل بائس."

أحاط بها الجميع، يسخرون منها، يهينونها، ولا أحد منهم شعر بالشفقة تجاهها.

ولم يكن هناك من يستطيع إنقاذها.

أما سامي… كان يقف قريب منها.

جرت سلوى رجلها المصابة، واعتقدت أنها ترى المنقذ، فصرخت باسمه وهي تبكي: "ساعدني… سامي…أرجوك أنقذني…"

لقد رأى بوضوح، وسمع كل شيء.

لكنه اكتفى بعبوس بسيط، ثم استدار ورحل تحت مظلته.

وقفت شهد تحت المظلة أمامها، وقالت بسخرية: "نيّتك مكشوفة، وسامي يعرفها منذ البداية، وهو لطالما شعر بالاشمئزاز منكِ."

"هل ظننتِ أن ابتسامته تعني أنه يحبكِ؟"

"سلوى…أيامكِ الصعبة لم تبدأ بعد!"

في تلك اللحظة، تحطّمَت كرامتها وإنسانيتها تمامًا.

وفي ذلك اليوم تحديدًا، هربت سلوى إلى غرفة المعدات.

وأيقظت تامر من نومه.

نظر إليها تامر، وكان أول شخص لا تحمل عيناه أي شر أو سخرية تجاهها.

أشعل تامر سيجارة، وقطّب حاجبيه وهو يقول: "أيتها الصغيرة… سأضع لكِ الدواء، عليْكِ أن تتحمّلي قليلًا."

ثم سقطت في غيمة جديدة من الدخان…

ولكن هذه الغيمة التي تُسمّى تامر، رغم أنها خانقة، لم تحمل لها إهانة أو ألمًا.

وتوقفت ذاكرتها عند هذا الحد.

قالت بصوت مرتعش: "أنا… كنتُ في ذلك الوقت لا أفهم شيئًا."

بردت نظرة تامر فجأة، وأرخى يده واتكأ على ظهر الكرسي، وعاد صوته إلى لا مبالاته المعتادة: "صحيح، ومن لا يفهم، يأتي إلى شخص مثلي ليطلب المساعدة."

أرادت سلوى أن ترد، لكنها أدركت أن أيّ تفسير سيبدو واهيًا بلا جدوى.

فهي بالفعل استغلّته يومًا… بأقسى الطرق.

وقفت وقالت بصوت خافت: "يجب أن أعود الآن، شكرًا على الفطور."

لم يحاول تامر منعها، لكن حين وصلت إلى الباب، قال فجأة: "سلوى."

التفتت إليه.

كان تامر يعبث بالولاعة بين أصابعه، ونظرته غامضة: "قلتُ لكِ من قبل، إن ضايقكِ أي شخص، يمكنكِ أن تأتي إليّ دائمًا."

تجمدت سلوى في مكانها، عاجزة عن الرد.

أما تامر فقد صرف بصره عنها، ورفع كوب الحليب وشربه حتى آخر قطرة.
Continue to read this book for free
Scan code to download App

Latest chapter

  • حين يقبلني يخفق قلبي   الفصل30

    كان صوت سامي ونظرته باردين حدّ القسوة، فأصاب قلب سلوى بالألم.وعندما يشتد الألم بالإنسان، لا يجد إلا الرغبة في المقاومة.لماذا يُبدي سامي هذا الانفعال الشديد؟ ولماذا يستجوبها؟أليس يعلم أنها تملك "حبيبًا"؟وحين خطرت لها هذه الفكرة، نشأت في قلبها فجأة نزعة تمرّد.فلديها حياتها الخاصة، فبأي حقّ يخضعها لهذا النوع من الاستجواب؟أنزلت سلوى يدها ببطء، ورفعت رأسها لتنظر إليه، وفي عينيها سكون نادر: "أخي، هذه شؤوني الخاصة"."شؤونك الخاصة؟" بدا سامي كأنه سمع مزحة، وانخفض صوته فجأة: "أنتِ من عائلة رياض، أنتِ أختي، وما يخصك لا يُعدّ شأناً خاصًا!"لم تفهم سلوى.لماذا بعد خمس سنوات، يتقلّب مزاج سامي الذي كان دائمًا باردًا ومتحفّظًا، إلى هذا الحد؟ولِمَ يكون دائمًا هذا الانفعال موجّهًا نحوها فقط؟أيعقل أنه يكرهها إلى هذا الحد؟ففي نظره، حتى لو كانت شهد متنمّرة معروفة، فإنها تبدو دائمًا مشرقة وجاذبة للعطف.أما هي، فمجرد أن تقوم بأمر لا يوافق توقعاته، يصبح أمرًا غير مقبول على الإطلاق.استمر سامي في مطالبتها بالإجابة بنظراته. لكنها لم تُجب.أليس يعرف الجواب أصلًا؟إنها تملك "حبيبًا"!تجمد جوّ المكان، و

  • حين يقبلني يخفق قلبي   الفصل29

    هزّت سلوى رأسها بهدوء، ونبرة صوتها خافتة.لا يوجد أي داعٍ لهذا مطلقًا.لكن شيئًا من الدفء تسلل إلى قلبها.فعندما يتعلق الأمر بمن نُكنّ لهم الاهتمام، حتى لو ظننا أننا لم نعد نهتم، يكفي أن نحصل على قدر بسيط من اللطف لنتناسى الجراح.اتضح أنه لم ينسَ أفكارها تمامًا، بل إنه سيأخذها بالفعل لشراء واحد جديدة."لا داعي يا أخي، لقد قلتُ لك البارحة إنني كنت أمزح معكم فحسب."مرّ في قلبها خاطر خفيّ يحمل قليلًا من الشر— ففي النهاية، شهد لم تستطع الاحتفاظ بذلك العقد، فلم يعد هناك ما يستدعي أن تتعلّق به.إلا أنّ سامي لم ينوِ التوقف عند هذا الحد، فغيّر اتجاه الحديث قائلًا: "لا بأس، خاتم زفافي لم أختَرْه بعد، رافقيني لنراه سويًا وتساعديني في الاختيار."وحين نطق بكلمتا "خاتم الزفاف" انغرستا في قلب سلوى كإبرة رفيعة.تجمّدت نظرتها للحظة، وتبدّد الدفء الذي كان يتصاعد في عينيها، ولم تستعد توازنها إلا بعد وقت.لم تكن ترغب في الذهاب، فبحثت عن عذر قائلة بصوت منخفض: "لديّ عمل اليوم، قد لا يسمح وقتي..."قاطَعها سامي مباشرة، وبنبرة لا تقبل رفضًا: "لا تشغلي بالك بالعمل. لقد قابلتُ سابقًا رئيس مجلس إدارة شركتكم، سأُ

  • حين يقبلني يخفق قلبي   الفصل28

    في ذلك الوقت، لم تكن سلوى قد تعرّفت بعد إلى تامر.لكن تامر، بعد أن استمع إلى سلوى وهي تذكر تلك الأمور ببساطة، كان يستطيع أن يتخيل بوضوح عمق الآثار النفسية التي تركتها فيها.قال تامر بصوت يحمل شيئًا من الفهم المتوقع: "نامي، سأبقى إلى جوارك."ضمت سلوى شفتيها قليلًا، وشعرت وكأن دفئًا لطيفًا يغمر قلبها.أغمضت عينيها، وبدأ القلق الذي كان دائمًا يزداد ليلًا يتبدد شيئًا فشيئًا، ولم يمض وقت طويل حتى غفت بسلام.كانت تلك هي المرة الأولى التي تنام فيها بطمأنينة من دون الاعتماد على الدواء.جلس تامر إلى جانبها، يتأمل ملامح نومها الهادئة، رموشها المائلة إلى الأسفل تلقي ظلًا رقيقًا تحت عينيها، فامتلأ قلبه برقّة لا توصف.نهض يستعد للمغادرة.لكن بصره وقع فجأة على زجاجات الدواء الموضوعة فوق خزانة السرير.كانت عدة زجاجات مصطفّة، وقد انتُزعت ملصقاتها كلها بعناية.أخذ تامر إحدى الزجاجات، وأخرج منها حبة دواء بيضاء، وراح يقلبها بين أصابعه وقد ازداد نظره عمقاً.أعاد الحبة إلى الزجاجة، وغادر غرفة النوم، ثم أخرج هاتفه وأرسل رسالة إلى مساعده."تعال وخذ هذا الدواء، وافحصه، وأخبرني النتيجة في أسرع وقت."——في صباح

  • حين يقبلني يخفق قلبي   الفصل27

    كان تامر ينظر إلى أطراف عيني سلوى المحمرة، وهو على يقين في داخله أنها لا بد أن تكون ثملة.فلو لم تكن ثملة، وبحسب جرأتها المعتادة، لما كانت لتجرؤ على قول إنها تريد تقبيله، بل لم تكن لتتجرّأ حتى للتحدث معه ببضع جمل إضافية يحتاج منها إلىط تردد طويل و تفكّير حذر. فمن أين جاءتها كل هذه الجرأة اليوم.لم يُظهر تامر أي رحمة في كلماته، إذ قال بنبرته المعتادة التي تحمل شيئًا من الاستفزاز: "ماذا؟ حتى الأشياء التي أهديتك إياها لا تستطيعين الحفاظ عليها؟"انقبضت أنامل سلوى قليلًا، ولم ترد.هي أيضًا كانت تشعر بأنها عديمة الجدوى، حتى قلادة أهديت إليها لم تستطع حمايتها.لكن قبل أن تسترسل في التفكير، كان تامر قد مد يده وحملها من تحت ذراعيها فجأة.تصلّبت أطرافها كلها، كأرنبٍ مذعور، وأمسكت بخفة بحافة خزانة الأحذية محاولةً الاتزان.وقالت بصوتٍ يحمل خوفًا وحذر: "أنت… ماذا تنوي أن تفعل؟""النوم."قالها تامر وكأن الأمر بديهي، وذراعاه ثابتتان لا ترتجفان.اشتعل وجه سلوى خجلًا، واحمرّ حتى أطراف أذنيها، واشتدت قبضتها أكثر على الخزانة: "أنا… أنا قلتُ فقط إني أريد تقبيلك، لم أقل إنني…"ولم تستطع إكمال الجملة، لكن ا

  • حين يقبلني يخفق قلبي   الفصل26

    ركضت شهد إلى الطاولة بملامح يملؤها الضيق، وأمسكت بذراع سامي وقد احمرّت عيناها قائلة: "سامي، اختفى العقد! قبل قليل صدمني رجل سكران فاختفى! أرجوك أرسل أحدًا للبحث عنه!" كان سامي يحمل كأسًا بيده، فما إن سمع كلامها حتى رفع عينيه قليلًا وقال بصوت خالٍ من الانفعال: "فليضع… لا بأس." تجمدت شهد للحظة، فلم تكن تتوقع هذا الرد. لم تكن تعلم أن سامي لم يعطِ ذلك العقد قيمة منذ البداية، ولم يكن مصرًّا على إهدائه لها، بل فقط لم يكن يريد أن يبقى مع سلوى.والآن بعدما فُقد، لم يُبدِ أي اهتمام إضافي.عادت سلوی إلى المنزل. خلعت حذاءها دون تشغيل الأضواء، وتوجّهت مباشرة إلى الحمّام. انهمر الماء بقوة، فنزعت ملابسها ودخلت حوض الاستحمام.عندما غمرت المياه الدافئة صدرها، شعرت أنها كسمكة على وشك الموت، ثم عادت فجأة إلى الماء بعد الاختناق، فالتقطت خيطًا ضعيفًا من الشعور بالأمان.حدّقت في الفقاعات فوق سطح الماء، بينما كانت وصايا الطبيب تتردد في ذهنها.إن شرب الكحول يمنعها من تناول الأدوية.لكن ألم صدرها كان يتصاعد، وأطرافها كلها ينهشها الوهن. قبضت على حافة الحوض حتى شحبَت أطراف أصابعها، وعيناها غارقتان في شرود.

  • حين يقبلني يخفق قلبي   الفصل25

    لئلّا تُهجر مرة أخرى من أسرتها.أخذت سلوى نفسًا عميقًا، ورمشت بقوة لتُزيح الرطوبة التي تجمّعت في عينيها، ثم شدّت طرفي شفتيها في ابتسامة متيبّسة.قالت: "أخي سامي، لا تغضب، كنت أمزح معك فحسب."القشرة التي ولدت فيها رغبتها في المقاومة تَصدّعت من جديد، فعادت سلوى إلى قوقعتها الخائفة المطيعة.قدّمت علبة الحلي إلى شهد، محاولة أن تُلطّف نبرة صوتها: أختي شهد، انظري، هذه السلسلة تليق بكِ كثيرًا، كنت أمازحكِ فقط."لمعت في عيني شهد لمعة انتصار، لكنها تقمّصت مظهر المندهشة، وهي تستلم العلبة قائلة: شكرًا لكِ، يا سلوى، كم أنتِ لطيفة!"ثم أمسكت بذراع سامي وتدلّلت: انظر كيف أرعبتَ أختك الصغيرة، إنها مجرد قلادة."وعندما رأى سامي أنها هدأت، لانت ملامحه قليلًا، فربّت على كتف سلوى وقال: نحن أسرة واحدة، لا حاجة لكل هذا التشدد."ابتسمت سلوى ولم تقل شيئًا.أسرة واحدة…وحين هبّت نسمة باردة، فأحسّت بحرقة أشد في عينيها.اختبأت شهد خلف سامي، وغمزت لصديقتها، ولوّحت لها بالسلسلة التي صارت غنيمتها.شعر سامي أن الجو بارد، وأدرك أن سلوى ترتدي ما هو خفيف.مدّ ذراعه ليحميها ويقودها إلى الداخل: هيا ندخل، الجو هنا بارد.ت

More Chapters
Explore and read good novels for free
Free access to a vast number of good novels on GoodNovel app. Download the books you like and read anywhere & anytime.
Read books for free on the app
SCAN CODE TO READ ON APP
DMCA.com Protection Status