Share

الفصل 2

Author: سمكة الكارب الصغيرة

لقد كسر عهده وشرب الخمر.

ومن نبرة صوته، بدا واضحًا أنه ثمل قليلاً.

لكن، هل يعقل أن رائد يصرخ بهذه الطريقة؟

رائد الذي في ذاكرة ليان: في أيام الثانوية، كان الطالب المتفوق البارد الطباع، الجاد حتى أثناء حل الأسئلة، وحتى في الملعب، حين كانت الفتيات المعجبات به يقدمن له الماء، لم يكن يلتفت إليهن أبدًا.

ثم، حين أصبح زوجها، ازداد تهذيبًا واتزانًا، لا يضحك ولا يغضب، مشاعره ساكنة كالماء، حتى إنها حين كانت تلمس أصابعه أحيانًا، تشعر بأن حرارته باردة.

في الفيديو، حين مرّت الكاميرا على وجوه الحاضرين، رأت ليان رائد وقد احمرّ وجهه قليلاً من الشراب، عيناه تلمعان، يرفع كأسه مبتسمًا نحو الكاميرا قائلاً: "مرحبًا بعودة رانو إلى البيت."

اتضح أنه يعرف كيف يبتسم.

ويعرف كيف يكون دافئًا.

ويعرف كيف ينادي الفتاة باسمها الدلع.

لكن...لم يبتسم لها يومًا، ولم يكن دافئًا معها، ولم ينادِها يومًا باسمها الدلع.

"سيدتي، هل تنهضين الآن؟" جاء صوت الخالة سعاد من خلف الباب.

حياة ليان منظمة جدًا، ولما رأت الخالة سعاد أنها لم تتحرك بعد، خافت أن تكون بحاجة إلى مساعدة، فالسيدة فعلاً تعاني من مشكلة في ساقها.

وضعت ليان الهاتف جانبًا وقالت: " سأنهض، سأخرج حالا." كان صوتها مبحوحًا، يختنق عند أطراف الكلمات.

أعدّت الخالة سعاد الفطور: كعكات صغيرة على البخار. تناولت ليان واحدة فقط، ثم لم تستطع إكمال الطعام.

"سيدتي، ماذا نطبخ للغداء والعشاء؟" سألتها الخالة سعاد وهي تناولها كوب الحليب.

"كما تشائين، فقط..."

كانت تنوي أن تقول كعادتها: "اعملي ما يحب السيد"، لكنها ابتلعت بقية الجملة.

لكن الخالة سعاد فهمت، فقد كان هذا الحوار يتكرر يوميًا، فأسرعت لتقول: "السيد قال إنه لن يعود اليوم لتناول الطعام، لديه مناسبة عمل."

أومأت ليان برأسها.

بالطبع لن يعود، فهي قد رأت قبل قليل على إنستغرام أن رانيا نشرت جدول لأسبوعها القادم، تذكر فيه من سيعزمها وماذا ستأكل، وتقول: العلاقات التي تنشأ في أيام الدراسة هي الأصدق. أنا الصغيرة المدللة التي يحبها كل إخوتي!

عادةً، تمضي ليان ساعتين يوميًا في دراسة الإنجليزية، وعدة ساعات أخرى في دراسة النظريات الفنية.

فلو لم تشغل نفسها، كيف ستقضي هذا الوقت الطويل؟ هل تنتظر طوال حياتها عودة شخص واحد إلى البيت؟

لقد انتظرت من قبل...

وكان الانتظار مؤلمًا جدًا.

لكن برنامجها اليوم مختلف.

فقد وصلتها أخيرًا رسالة القبول من الجامعة، وعليها أن تؤكد قبولها بسرعة.

ولذلك، أول ما فعلته اليوم هو دفع رسوم التأكيد، وحين ظهرت رسالة الخصم من بطاقتها البنكية، تنفست بعمق.

اقتربت خطوة من اليوم الذي ستغادر فيه رائد.

في المساء، بدّلت ثيابها استعدادًا للخروج.

سألتها الخالة سعاد بدهشة: "سيدتي، إلى أين تذهبين؟"

فليان نادرًا ما تخرج من البيت دون مرافقة السيد.

قالت بهدوء: "صديقة من أيام الجامعة جاءت لتقديم عرض هنا، دعتني للقائها."

لكن الحقيقة أنها كانت تنوي المبيت في فندق قريب من مركز الامتحان.

لديها اختبار الآيلتس غدًا في الصباح الباكر، وخافت أن تعلق في الزحام إن خرجت صباحًا.

كانت قد خاضت الاختبار قبل أشهر ولم تحقق النتيجة المطلوبة، لكنها قدمت طلب الدراسة على أي حال، ولم تتوقع أن تُقبل، لذلك حجزت موعد اختبار جديد.

ولحسن الحظ، الجامعة تسمح بتقديم نتيجة اللغة لاحقًا.

قالت الخالة سعاد وهي تنظر إلى ساقها: "لكن... أرافقك أنا، أليس أفضل؟"

"لا داعي، إنها جلسة فتيات، وجودك سيحرجني." قالت ليان بوجه خالٍ من التعبير.

"لكن عليّ أن أبلغ السيد." قالت الخالة بقلق، فهي تخشى أن يحدث شيء وتتحمل المسؤولية.

"لا حاجة، دعيه يستمتع بعمله، لا تزعجيه، بعد لقائي مع صديقتي سأتصل به ليأتي ويأخذني." قالت وهي تمسك حقيبتها وتغادر.

نظرًا لساقها المصابة، اختار رائد لهما شقة في طابق واحد؛ فبمجرد أن تركب المصعد تصل إلى الشارع مباشرة.

وما إن خرجت إلى ضوء الشمس، حتى انحنت قليلا، ورفعت ياقة معطفها، ووضعت قبعتها.

منذ إصابتها بساقها، اختفت تلك ليان الواثقة التي كانت تضيء المسرح.

ليان العرجاء فقدت الشجاعة لتواجه الناس.

كانت الخالة سعاد دائمًا تقول إن من الأفضل أن يرافقها السيد حين تخرج.

ورائد أيضًا كان يقول الشيء نفسه.

لكنهم لا يعرفون أن أكثر ما تخشاه هو الخروج معه، أكثر من خروجها وحدها.

لأن كل من يراهما ينظر بعين واحدة تقول: كيف لرجل بهذه الروعة أن تكون زوجته عرجاء؟

استقلت سيارة أجرة نحو الفندق.

وفي الطريق، كانت تنظر بصمت إلى الشوارع من خلف الزجاج، حتى لمحَت سيارة رائد متوقفة أمام مطعم.

"توقف من فضلك." قالت للسائق بسرعة.

كانت سيارة رائد متوقّفة أمام المطعم.

فالأمس كان العشاء على حساب أحد أصدقائه المقرّبين، واليوم جاء دور رائد ليدفع...تمامًا كما كتبت رانيا في حسابها على إنستغرام.

نزلت من السيارة دون وعي.

وعند وصولها إلى المطعم، قالت ليان مباشرة: " هناك مَن وصل بالفعل، وأنا على حجز السيد رائد." ثمّ ذكرت له الأرقامَ الأخيرة من رقم هاتف رائد.

فأشار لها الموظف نحو غرفة خاصة: "تفضلي، هذه هي."

"شكرًا." قالت بهدوء.

لم تكن تعرف لماذا جاءت أصلاً، كانت في البيت تغلي بدافع غريب، لكن حين وصلت، فقدت الشجاعة لتفتح الباب.

من الداخل، كانت الأصوات تعلو بالضحك والحديث.

"اليوم لا يمكنني السهر كثيرًا ولا الشرب. البارحة عدت سكرانًا، وزوجتي الغاضبة كادت تقتلني."

كان هذا صوت أحد أصدقاء رائد.

"حقًا؟ كنت تقول إن أختنا تأتي أولاً حتى لو جاء ملك الملوك! والآن أصبحت خاضعًا لزوجتك؟ أخونا رائد هو الوحيد الذي بقي وفيّا."

كان هذا صوت رانيا، بصوتها الناعم الدلالي.

اتضح أن هذه هي شخصيتها.

واتضح أن هذا هو النوع الذي يعجبه.

أما ليان، فحتى لو حاولت، لا يمكنها أن تكون مثلها.

تابع أحد أصدقائه قائلاً: "هل يمكن مقارنة رائد بغيره؟ ليان لا تجرؤ أن ترفع صوتها عليه أصلاً."

ثم جاء صوت رانيا من جديد: "بالمناسبة، رائد، سمعت أن زوجتك عرجاء؟ لماذا؟"

لم يجبها أحد.

لكن قلب ليان انقبض بشدة.

ثم بدأ أصدقاؤه يتحدثون.

"بصراحة يا رائد، نحن نشفق عليك، أنت وسيم وناجح، يمكنك الزواج من تشاء، فلماذا امرأة عرجاء؟"

"فعلاً، أنت الأفضل بيننا. لكن بزواجك منها، لا يمكنك اصطحابها لأي مناسبة أو مؤتمر أو عشاء رسمي. أليست خسارة؟"

هكذا إذًا...

كان رائد دائمًا يقول لها إنّها ليست مضطرّة للتدخّل في شؤونه، وكلّ ما عليها هو أن تبقى في البيت منتظرة أن يعود بالمال إليها.

وكان أهلُها يرفعون من قدره ويُثنون عليه، قائلين إنّها تعيش في نعيم. لكنّ الحقيقة…أنّه كان يراها امرأة لا تليق بأن يخرج بها أمام الناس.

ثم جاء صوته من الداخل، بنبرة مريرة: "على كل حال، أنا مدين لها. لا أستطيع إنكار فضلها عليّ."

فردّ أحدهم ساخرًا: "دينك سددته بالمال، أليس كافيًا؟"

وقال آخر: "كان عليك منذ ذلك الحين أن تعطيها المال وتُنهي الأمر. هل كان يستحق أن تضحّي بسعادة عمرك كلّه؟"

"أقول لك: لو كنتَ تتعبد وتصلي صباحًا ومساءً، لربّما مُنحت البركة والرزق. أمّا أن تتزوّج بامرأة كهذه، فماذا ستجني منها؟"

"أجل، ماذا يمكنها أن تفعل لك؟ لا تجيد مرافقتك في السهرات، وحتى في البيت تخشى أن تسكب الشاي من يدها. رائد… هكذا؟ هكذا… أتسير هكذا؟"

وانفجرت الضحكات في الغرفة الخاصّة، وارتفع بينها ضحك رانيا العالي الهستيري: "رائد، هل زوجتك تمشي فعلاً بهذه الطريقة؟"

وكانت ليان، الملتصقة بالباب، تشعر بأنّ دماءها كلّها تصعد إلى رأسها. الغضب والمهانة انتزعا منها توازنها.

اختلّت قدمها وارتطم جسدها بالباب، فانفتح.

كان المكان غارقًا في ضحك صاخب.

وكان أحد أصدقاء رائد المقرّبين، ويسمّى كريم الحاج، يحمل كوب ماء ويمشي بعرج مبالغ فيه، يقلّدها بصوت رفيع: "رائد… رائد… اشرب ماء يا رائد… آه! وقعتُ! رائد، احملني..."

رفعت ليان نظرها نحو رائد، تنتظر من زوجها، الرجلِ الذي أحبّته أكثر من أيّ شيء، أن يُظهر في هذه اللحظة موقفًا ما.
Continue to read this book for free
Scan code to download App

Latest chapter

  • في عامنا الخامس من الزواج   الفصل 30‬‬‬‬

    "افتحه بنفسك!" قالت وهي واقفة في مكانها لا تتحرك، أدارت وجهها بعيدًا، وأسندت ظهرها إلى الحائط، ضاغطة على الظرف في يدها.نظر إليها بنظرةٍ يملؤها العجز وقال: "مزاجك هذا... يبدو أنه ازداد سوءًا في الآونة الأخيرة."لكنه لم يُصرّ عليها، ولم يشكّ لحظة في أنها تخفي شيئًا خلفها، ثم دخل إلى الغرفة.في النهاية، كانت الخالة سعاد هي من فتحت الطرد، بينما أسرعت ليان تُخفي النتيجة، وعادت إلى غرفة الضيوف."ليان، استعدي، سننطلق ." ناداها رائد من الخارج."رائد!" استدارت نحوه قائلة: "هل يمكنك أن تحترمني قليلًا؟ لماذا تُخبرني بكل شيء في آخر لحظة، وكأنه مجرد إشعار متأخر!"اقترب من باب الغرفة وقال بهدوء: "يا سيدة ليان، أهذا أيضًا يُعتبر إشعارًا متأخرًا؟ اليوم عيد ميلاد والدك."ليان: …"أم تفضلين أن أذهب وحدي؟" رفع حاجبيه وسألها بنبرة غامضة."انتظر لحظة، سأبدّل ملابسي." قالت وهي تغلق الباب.لكن على غير المتوقع، مدّ يده ليمنع الباب من الإغلاق، ونظر إليها بعينين عميقتين يملؤهما الشك: "هل هناك ضرورة لإغلاق الباب؟ أهو بسبب ذلك الشاب الراقص؟""كم أنت غريب!" قالت وهي تدفع الباب بقوة وتغلقه.خمس سنوات من الزواج، أل

  • في عامنا الخامس من الزواج   الفصل 29‬‬‬‬

    كانت ليان في غاية العجز والضيق، لا، بل لم تعد ترغب حقًا في أن تحمل لقب زوجة رائد بعد الآن! قالت بانفعال: "رائد، ما الذي يجعلك مصرًّا إلى هذا الحد على أن أظلّ زوجتك في هذا البيت؟ لا أريد أن أكون زوجتك إلى الأبد، دع رانيا تُهدّد موقعي قليلاً، أليس هذا أفضل؟"توقف رائد لحظة، وظهرت على وجهه ابتسامة ساخرة، ظنّ أنها فقط تتدلل، ثم مضى إلى حمّام غرفة النوم الرئيسية ليغتسل.بعد ما حدث للتو، كانت ليان غارقة في العرق، فدخلت هي الأخرى لتستحم من جديد، ثم ارتدت قميصًا قطنيًا، ثم عادت إلى الفراش.في الليل، هطلت أمطار غزيرة. كان صوت المطر وهو يضرب الزجاج كان أشبه بضوضاء بيضاء تساعد على النوم، كما انخفضت درجة الحرارة فجأة. ومع صوت المطر، غفت تدريجيًا.في صباح اليوم التالي، استيقظت من تلقاء نفسها، نظرت إلى الساعة، فإذا بها التاسعة! والمفاجأة أن رائد لا يزال في الخارج يتحدث مع الخالة سعاد، ولم يذهب إلى الشركة بعد، وهذا ليس من عادته كمدمن عمل.بعد أن أنهى حديثه مع الخالة سعاد، خرج من المنزل، عندها فقط نهضت ليان من السرير.وأثناء تناولها الإفطار، جاءت الخالة سعاد لتنقل لها كلامه: "سيدتي، قال السيد إنه خرج

  • في عامنا الخامس من الزواج   الفصل 28‬‬‬‬

    لم تكن تعرف كيف يبدو رائد حين يفقد صوابه.منذ أن تعرفت عليه، كان أشبه بضباب المساء بين الجبال، أو كغصن خيزران في الغابة، هادئًا، غامضًا، تحيط به مسافة لا تُرى، فلا يُمكن الاقتراب منه تمامًا.حتى بعد زواجهما، ظلّ على حاله.لكن في تلك اللحظة، بدا عليه جنون غير مألوف.حدّقت في قميصه المفتوح على مصراعيه، وفي خطوط عضلاته المنسابة التي انكشفت تحته بسلاسة، وامتلأ قلبها بالخوف.قالت وهي تشد الغطاء حول جسدها: "رائد، ماذا تنوي أن تفعل؟"رفع نظره إليها، وفي عينيه قسوة نادرة: "ماذا أريد أن أفعل؟ أنتِ زوجتي، تأكلين من مالي وتعيشين في بيتي، ثم تتآمرين مع غيري لتوقعي بي؟ قولي لي، ماذا تظنين أني سأفعل؟"قالت بصوت مضطرب: "لم أفعل..." لم تكن ترى حاجة لتبرير نفسها، لكن حين رأت ملامحه، أدركت أنه ربما يقدم على تصرف طائشٍ وجنوني فعلاً.فجأة، فكّ رائد حزامه. فقفزت ليان من السرير محاولة الهرب من الجهة الأخرى، لكنّه انقضّ عليها وأعادها إلى السرير، هي والغطاء معًا.صرخت: "رائد، أتركني!"لكنه لم يسمعها، أو ربما تجاهلها عمدًا.في لحظات، انتزع الغطاء عنها، وبدأ يشدّ فستان نومها.تذكرت بوضوح المرة السابقة التي فقد

  • في عامنا الخامس من الزواج   الفصل 27‬‬‬‬

    كان قلبها يتبع خطاه.لذلك كانت تُعدّ له الطعام بعناية، وتعتني بالبيت ليكون له ملاذًا دافئًا. حتى وإن كان يعود متأخرًا كل ليلة، كانت تتمنى أن يجد الراحة ما إن تطأ قدماه البيت...لكن للأسف، بدا وكأنه لا يحتاج إلى ذلك.فلتدع إذًا لمن يهتم لأمره هو، أن يقلق عليه.استعدّت لتأخذ حمامًا، ثم تنوي أن تبحث قليلًا عن معلومات تخصّ الدراسة في الخارج قبل أن تنام.لكن وسائل التواصل الاجتماعي مزعجة أحيانًا، تُظهر دائمًا ما لا تودّ أن تراه أعيننا.فتحت إنستغرام، وإذا بمنشورٍ لرانيا يظهر مجددًا في صفحتها الأولى.نُشر قبل دقائق قليلة، وكان عن أحداث هذه الليلة.صورة ليدين متشابكتين، يد رائد تمسك بيدها.والتعليق يقول: كان دائمًا شجرةً شامخة، معتدًّا بنفسه، مفعمًا بالثقة والحياة، لا تكسره العواصف مهما اشتدت، لكنه الليلة عانى من أجلي. شكرًا لأنك واجهت العالم من أجلي. حتى لو لامك الجميع، ستبقى في عيني شامخًا كالجبل.ابتسمت ليان بسخرية مريرة، وضغطت على زر " عدم الاهتمام بهذا المنشور"، متمنية ألا تراه مجددًا.ولحسن الحظ، لم تُقارن نفسها يومًا برانيا في مكانتها داخل قلب رائد، وإلا لكانت قد خسرت تمامًا.كان رائد

  • في عامنا الخامس من الزواج   الفصل 26‬‬‬‬

    "نعم." أجابت ليان ببرود، ولم تجد داعيًا لمزيد من الشرح.تقدّم رائد خطوة إلى الأمام، حتى صار قريبًا منها جدًا، قريبًا لدرجة أنها رأت بوضوح التجاعيد الخفيفة تحت عينيه المرهقتين.في الثلاثين من عمره، بل لم يبلغها بعد، ومع ذلك بدت على وجهه آثار السنين."ليان." أمسك بكتفيها، وتسلّل عطر خفيف من جسده، وقال بصوت مبحوح: "هل قصّرتُ معكِ في شيءٍ طوال هذه السنوات؟"بينما كان يتحدث، تسرّب التعب من بين حاجبيه المعقودين، ومن سواد عينيه المرهقتين.تنهدت بصوت خافت.نعم.تعترف، لقد حاول أن يكون جيدًا معها قدر استطاعته — في المأكل، والملبس، والسكن، والمال، وحتى تجاه جدتها وعائلتها، لم يبخل بشيء، ولم يتردد يومًا.لكن يا رائد، هذا النوع من "الطيبة" منك، كان أهون لو أنّك دفعتَ لي مالًا منذ البداية لتشتريَ ساقي المعيبة وتتركني حرة..."إن لم أكن قد أسأتُ إليكِ، فكيف استطعتِ أن تقسي عليّ هكذا؟" قالها بعينين محمرتين، "كيف طاوعك قلبك أن تتعاوني مع الغرباء ضدي؟ أليست أموالي أموالك؟ أليست مسيرتي مسيرتكِ؟ ألسنا زوجين، جسدًا واحدًا؟"الآن فقط تذكّر أنهما "جسد واحد"؟ ألم يكن دائمًا يقف إلى جانب إخوته ورانيا، بينما هي

  • في عامنا الخامس من الزواج   الفصل 25‬‬‬‬

    احمرّ وجه رانيا على الفور، وراحت دموع المظلومية تدور في عينيها، بينما أمسك رائد بيدها واقتادها إلى الخارج.حدّقت الدكتورة هناء بغضب في السيد سامر، وكأن ما حدث اليوم من صنع يده، ثم التفتت إلى ليان قائلة: "ما رأيك في هذا المشروع؟ سنسمع كلمتكِ!"ابتسمت ليان وقالت: "لا داعي لأن تفكروا بي، يا أستاذتي، أنتِ والسيد سامر قررا ما ترونه مناسبًا، لا تأخذا رأيي بعين الاعتبار." ثم غمزت لها بخفة وأضافت: "أستاذتي، أنا الفراشة الصغيرة، أستطيع الطيران."تنفست الدكتورة هناء الصعداء، وقالت مبتسمة: "هكذا أفضل! نحن لم نُطِل النظر في الأداء العاطفي إلا من أجلك، لم نرد أن نطارد الفأر فنكسر القارورة الثمينة. طالما قلتِ هذا، فأنا مطمئنة الآن."أما الآخرون، فلم تكن بينهم معرفة وثيقة بليان أو برائد، فلم يتدخلوا. وبعد كلام الدكتورة هناء، خفّ التوتر في الأجواء."حسنًا، لنكمل ما بدأناه." قالت الدكتورة مبتسمة وهي تدعو الجميع للمتابعة.قضت ليان أمسية لطيفة في ضيافة الدكتورة هناء؛ كان الجميع ودودين، وتبادلوا جهات الاتصال، وخاصة الفتاة التي تدرس الرقص مثلها، كانت دافئة ومشرقة كالشمس الصغيرة، وكان اسمها يشبهها تمامًا، ت

More Chapters
Explore and read good novels for free
Free access to a vast number of good novels on GoodNovel app. Download the books you like and read anywhere & anytime.
Read books for free on the app
SCAN CODE TO READ ON APP
DMCA.com Protection Status