Share

الفصل 5

Author: شاهيندا بدوي
توقَّفت نور عن السير، لم يكن في علاقتهما ذلك الانسجام الذي يكون بين الزوج وزوجته، بل هو أشبه بالفتور بين الرئيس ومرؤوسته. ردَّت عليه قائلة: "هل تأمر بشيء آخر يا سيد سمير؟"

استدار سمير، ونظر إلى وجه نور الذي بدا عليه الجفاء، وقال لها بنبرة آمرة: "اجلسي."

عجزت نور فجأة عن فهم ما يريد فعله.

أخذ سمير يسير متجهًا صوبها.

أحست نور بالاختناق وهي ترى سمير يقترب منها شيئًا فشيئًا. في تلك اللحظة، شعرت أن ثمة أمرًا مختلفًا.

كانت متوترة وتشعر بالغرابة في آنٍ واحد.

لم تتحرك، بينما بادر سمير بالإمساك بيدها.

في اللحظة التي لامستها راحة يده الدافئة، أحست كما لو أن شيئًا ما حرقها، وأرادت أن تسحب يدها، لكنه كان ممسكًا بيدها بإحكام، ولم يترك لها مجالًا للهرب، سحبها إلى أحد الجوانب، وبرم حاجبيه وهو يسألها: "ألم تنتبهي إلى يدك المصابة؟"

دُهشت من اهتمامه المفاجئ، وقالت: "أنا...بخير."

سألها سمير: "لكن هناك فقاعات ظهرت عليها، لماذا لم تخبريني عن هذا الأمر؟"

أخفضت عينيها، ونظرت إلى كفيه الكبيرين وهما يفحصان إصابتها.

على مدار كل هذه السنوات، لطالما رغبت أن تمسك بيديه، وأن تشعر بدفئها، وأن تقودها هاتان اليدان نحو اتجاه ما.

لكنها لم تحظ أبدًا بتلك الفرصة.

وفي اللحظة التي كانت على وشك الاستسلام فيه، منحها خيط دفءٍ خفيف.

أجابته نور: "إنه مجرد جرحٍ بسيط، سيطيب بعد يومين."

"سأطلب من أحد أن يحضر دواء الحروق."

شعرت نور بحرارة تجتاح عينيها، يبدو أن كل تلك السنوات من الصبر لم تذهب مهب الريح.

لكنها تدرك جيدً أنه لا يحبها.

أخذ سمير دواء الحروق وبدأ يدهنه على جرحها، رؤيتها له وهو جاثٍ على ركبتيه أمامها بحذرٍ واهتمامٍ هكذا، جعلتها تشعر أنها هي أيضًا يمكنها أن تصبح المرأة التي تحظى بحبه واهتمامه.

يبدو أن الأمر كان يتطلب فقط جرحًا بسيطًا حتى ينتبه لها.

تبادرت إلى ذهنها تلك الفكرةٌ السخيفة، أنه كان من المفترض عليها أن تعرِّض نفسها لجراحٍ طفيفة تجذب بها انتباهه، بدلًا من السبع سنوات التي قضتها وهي تعتني به يوميًّا.

من الجيد أنها أُصيبت بهذا الجرح.

انزلقت دمعة من عينيها.

ونزلت على ظهر يد سمير.

رفع سمير بصره إليها، ولاحظ عينيها الممتلئتين بالدموع، إنها المرة الأولى التي يراها فيها تظهر مشاعرها أمامه.

"لماذا تبكين؟ هل آلمتك؟"

شعرت نور أن مشاعرها متأججة، وهذا لا يشبهها، فردت عليه قائلة: "لا، عيني تؤلمني قليلًا فقط، لن يحدث مثل هذا الأمر مرَّة أخرى."

سمع سمير منها هذه العبارات الرسمية الباردة العديد من المرات، وقد سأم من هذا الأمر بعض الشيء، قال وهو يبرم حاجبيه: "ليس عليكِ أن تكوني بهذه الرسمية في المنزل، نحن لسنا في الشركة، يمكنك مناداتي باسمي في المنزل."

لكن هذ كان ما فعلته نور واعتادت عليه على مدار سبع سنوات.

في الشركة، كانت سكرتيرته المثالية.

وفي المنزل، وإن كانت زوجته بالاسم، فلم تكن تفعل سوى ما يجب على السكرتيرة أن تفعله.

نظرت نور إلى وجهه الذي أحبته لسنواتٍ كثيرة، مشاعر الحب التي لا تلقى مردودًا تنهك صاحبها في النهاية، توقَّفت قليلًا، ثم قالت: "يا سمير، متى سنذهب لنقوم بإجراءات الطلـ..."

لكن سمير جذبها حينها إلى حضنه.

جعل هذا جسدها يتصلَّب، واستقرَّ رأسها على كتفه، فلم تستطع أن تقول أي شيء.

قال سمير بحاجبين متثاقلين: "أنا متعب اليوم، فلنتحدث غدًا."

فلم يكن أمام نور سوى ألَّا تتحدَّث عن هذا الموضوع.

استلقا كلاهما على السرير، شعرت نور أن هناك شيءٌ ما مختلف فيه، كان جسده ملاصقًا لها، مما جعلها تحس بحرارته الملتهبة.

ويده تحتضن خصرها، وعطره البارد برائحة الصنوبر أو السرو يحُّفها ويُشعرها بالأمان.

كانت راحة يده ملامسة لبطنها، مما جعل جسدها ينكمش قليلًا، اقترب من أذنها وهو يهمس بأنفاسٍ دافئة: "هل تشعرين بالدغدغة؟"

أخفضت نور عينيها قائلة: "لست معتادة على ذلك."

عندها أصبح سمير أكثر جرأة، وطوَّقها بذراعيه الاثنين وهو يجذبها إلى صدره، ثم قال: "فلتأخذي الأمر بالتدريج إذًا، فستعتادين يومًا ما."

استندت نور إلى صدره، حرارة أنفاسه التي تداعب وجهها جعلت وجنتيها تحمران.

رفعت رأسها، وفكَّرت، هل يمكن لزواجهما أن يسلك طريقًا آخر؟

كم كانت تتمنى لو تتغير مكانتها عنده.

قالت: "يا سمير، إن كان بالإمكان...هل يمكنني أن..."

رن هاتف سمير فجأة.

فأخذ جواله كل تركيزه.

تلك الكلمات التي كانت تريد قولها لم تجد مخرجًا.

"هل يمكنني أن أكون زوجتك بحق..."

"وألا تعاملني أو تنظر إلي على أنني مجرد السكرتيرة؟"

لكن هذا الكلام الغير عاقل ظل في ذهنها لثانية واحدة فقط، لأنه حين أمسك هاتفه، رأت على شاشة الهاتف اسم شهد.

وهذا أعادها إلى الواقع.

عاد سمير إلى هدوئه، وتركها، ثم جلس، ولم يلق اهتمامًا لكلامها.

"مرحبًا."

رأته بوجهه الصارم البارد، يقوم من السرير ويبتعد من أمامها، مغادرًا غرفة النوم، ذاهبًا ليجيب على اتصال شهد.

شعرت نور بقلبها ينهار، وظهرت على شفاهها ابتسامة ساخرة.

أوه يا نور، كيف لك أن تفكري في هذه الأوهام؟

إن شهد وحدها هي من تمتلك قلبه، لن يحبك يومًا، وهذا ما قاله لك عندما تزوجتما قبل ثلاث سنوات.

رفعت نور رأسها، ولسبب لا تعرفه، شعرت بالحزن، وبدأت عيناها تمتلأ بالدموع.

أغمضت عيناها، فهي لا تريد أن تبكي من أجله مجددًا.

إنه لا يعلم، لا يعلم أنها منذ علمت أنه يحب امرأة أخرى، وهي تبكي سرًا، لكنها لم تجعله يومًا يراها وهي تبكي.

كانت مدركةً تمامًا لمكانتها بالنسبة له: مجرد سكرتيرة بجانبه.

عاد سمير بعد أن أنهى مكالمته، وعندما رأى أن نور ما تزال مستيقظة، قال لها بنبرة تذكيريَّة: "طرأ أمرٌ ما في الشركة، علي أن أذهب وأرى الأمر، فلتنامي أنتِ مبكِّرًا."

لم تنظر نور إليه، حتى لا يرى هذا الجانب الضعيف منها، وقالت: "أعلم ذلك، فلتذهب، سأذهب للعمل غدًا في الوقت المعتاد."

"حسنًا."

أجابها بإيجاز، ثم أخذ معطفه وغادر.

شعرت وكأن قلبها يتحطَّم وهي تسمع صوت محرِّك السيارة يبتعد شيئًا فشيئًا.

لم تستطع نور أن تخلد إلى النوم ليلتها.

وكان عليها الذهاب إلى العمل في صباح اليوم التالي.

وصلت نور إلى العمل مبكِّرًا، ولم يكن في الشركة سوى القليل من الموظفين، أنجزت كعادتها جميع الأعمال المرتبطة بسمير بشكلٍ دقيق ومنظَّم.

لكن سمير لم يأت إلى الشركة ذلك اليوم.

اتصلت به عدَّة مرَّات، لكن هاتفه كان مغلقًا.

قالت تالين بقلق: "يا أخت نور، السيد سمير ليس هنا، ولا نعرف أين ذهب، لذا لا نملك سواكِ لنعتمد عليه في الذهاب إلى الموقع للقيام بجولة تفتيشية."

وبصفتها سكرتيرة سمير، كانت نور مطلعة على أغلب الأعمال، وعرفت تفاصيل هذا المشروع جيدًا.

اتصلت به نور للمرة الأخيرة، لكنها توقَّفت عن المحاولة عندما لم يرد.

تذكَّرت فجأة أن المكالمة التي أتته البارحة كانت من شهد.

لم يأتِ إلى الشركة، ولم يعد إلى المنزل، إذًا بالتأكيد ذهب لرؤيتها.

كتمت المرارة في قلبها، وقالت: "لا داعي لانتظار السيد سمير إذًا، لنذهب نحن."

عندما وصلت إلى الموقع، كانت الشمس حارقةً في الخارج، ودرجة الحرارة عالية للغاية.

كان المبنى الذي يتم إنشاؤه لا يزال مجرد هيكلٍ بلا شكلٍ محدد، وكان المكان فوضويًا.

دخلت إلى الموقع وسط الغبار، والحديد، والأصوات الصاخبة التي تطلقها الآلات.

كانت نور قد أتت بالفعل عدَّة مرات إلى هنا، لذا فهي على معرفة بالمكان، وانتهت بسرعة من جولتها.

تعالى فجأة صوت أحدهم: "احذري!"

رفعت نور رأسها، فإذا بها لا ترى سوى لوح زجاجٍ يهبط فوق رأسها.

Continue to read this book for free
Scan code to download App
Comments (1)
goodnovel comment avatar
Nuha Rafati
مسكينه ه النور بدها تلقيها من وين وين
VIEW ALL COMMENTS

Latest chapter

  • إثر مغادرة زوجته، انهار السيد سمير بالبكاء بعد اكتشاف حملها   الفصل402

    قالت نور: "إذًا سنرحل الآن".ردّت المديرة: "حسنًا، آمل أن أراكم في المرة القادمة".ألقى سمير نظرة على الأطفال، ولم ينسَ أن يسأل قبل أن يغادر: "هل تذكرون كيف يجب أن تنادونا؟"أجابوا جميعًا بصوت واحد: "أخ وأخت!"وبأدب جمّ.تابع سمير: "وإن لم تنادونا أخًا وأختًا، فبماذا يمكنكم أيضًا أن تُنادونا؟"ردّ الأطفال وقد فهموا: "عمّ وعمّة!"كرّر لهم هذا القول عشر مرات. حتى أصبحوا يتذكرونه.نظرت نور إلى سمير، ورأته مُرتاحًا مع الأطفال، ترتسم ابتسامة على وجهه. هتفوا ثانية بصوت واحد: "عمّ، عمّة، لتنعما بالسعادة طوال حياتكما!"أدركت نور فجأة، وسألتهم: "ماذا تعنون بذلك؟"أجابها الأطفال: "قال العم قبل قليل إنكِ زوجته، لذلك لا يجوز أن نُخطئ في الألقاب، فإن لم نناديكما أخًا وأختًا، فعلينا أن نناديكما عمًّا وعمّة، لا يمكن أن يكون أحدكما عمًّا والآخر أختًا".بهتت نور، ولم تجد ما تقوله. لم تفهم الأمر الذي يؤرقه.اتضح أنه بسبب الألقاب.كيف له أن يُعلن الآن أمام الجميع أنها زوجته؟ولمّا همّت بالرد، استبقتها المديرة ضاحكة: "آنسة نور، لم أكن أتصوّر أنكِ بهذا الشباب ومتزوجة بالفعل، ومعكِ زوج مثل السيد سمير يدع

  • إثر مغادرة زوجته، انهار السيد سمير بالبكاء بعد اكتشاف حملها   الفصل401

    تغيّر وجه سمير عندما رأى هذا المشهد، ولم يَدرِ ما الذي اقترفه.أسرعت نور إلى ضمّهم معًا، واستطردت تُطمئنهم: "حسنًا حسنًا، العمّ ليس الذئب الشرير، العمّ رجل طيب، ألم يُحضر لكم المؤن للتو؟ لا تخافوا، فالأطفال الذين يبكون ليسوا رائعين على الإطلاق!"مسح الأطفال دموعهم، وقالوا وسط بكائهم: "يجب ألّا نبكي، نحن أشجع الأطفال، لا يجوز أن نبكي!"لكن ما إن رأوا سمير حتى تجهمت وجوههم، حاولوا حبس دموعهم لكن الخوف تمكّن منهم.ألقى سمير بنظراته نحو نور، إنها رقيقةٌ للغاية في تعاملها مع الأطفال، حتى بدت كالماء في نعومتها.سعل مرتين بلا وعي، ثم اقترب من الصغار.لكن الخوف ما زال يسكنهم، فتراجعوا جميعًا إلى خلفها.اسودّ وجه سمير، إذ لم يتوقع أن هؤلاء الصغار يُصابون بالفزع بهذه السهولة، وكأنهم رأوا شبحًا."ادخلوا بسرعة، وإلّا دخل الذئب الشرير من الخارج!"وما إن سمع الأطفال حتى أسرعوا إلى الداخل.ولحقت بهم نور.أبصرهم سمير مبتعدين، ولم يُدرِ أهو شعور حسن أم سيئ، لكنه شعر أن نور تتحرّر من قيودها وهي تتعامل معهم، تفيض لطفًا وسعادة.كما لو أنه رأى وجهها الآخر، وجهًا تزهو فيه ابتسامة صافية من القلب.التفت سمير

  • إثر مغادرة زوجته، انهار السيد سمير بالبكاء بعد اكتشاف حملها   الفصل400

    كان كلامه لاذعًا، لكن أفعاله لم تكن عادية، صحيح أن شركة القزعلي قامت بالكثير من الأعمال الخيرية، لكن لم يسبق لسمير أن باشر أمرًا كهذا بنفسه، قالت نور: "لم أقل ذلك، لكنني وصلت قبل لحظات، ثم جئتَ أنت وتبرعتَ بهذه المواد، أليست مصادفة تدعو للشك؟ على أي حال، إن لم تكن أنت، فلن أسأل أكثر".كانت لديها أمور كثيرة لتنجزها، ولم ترغب في أن تُضيع وقتها في الجدال معه.فضلًا عن أن ملامحه كانت تنطق بعدم رضاه عنها.عبس سمير لدى رؤيتها تتصرَّف وكأنها غير مهتمة، إذا كان في الأساس غير راضٍ عنها، وها هي الآن تزداد برودةً في تعاملها معه.وفجأة دوّى صوت عشرات الأطفال يركضون نحوهما يصيحون: "عم، يا عم!"كانوا يركضون نحو السيارة بسرعة، غير آبهين بالسقوط.عرفت أنهم ينادون على سمير.اضطرت لأن تعود إلى سيارته.أحاطوا بسيارته، عيونهم تلمع بالفضول والامتنان، وراحوا يرددون ببراءة: "شكرًا يا عم، أنت طيب القلب حقًّا!"كانت تلك أول مرة يقترب فيها سمير من أطفالٍ بهذا الشكل.وبهذا العدد الكبير.التفُّوا كلهم حول سيارته.لم يعرف أكان يحب الأطفال أم لا، لكنه لم يحب يومًا أن يكون محط أنظار أحد.كما أن هؤلاء الأطفال بدوا مت

  • إثر مغادرة زوجته، انهار السيد سمير بالبكاء بعد اكتشاف حملها   الفصل399

    خرجت نور بعد أن استوضحت بعض الأمور، فرأت طفلة صغيرة في الثالثة أو الرابعة من عمرها جالسة تحت شجرة خيزران، تحتضن قطعة الحلوى التي أعطتها إياها، وتحدّق بها باستمرار.اقتربت نور منها وجلست بجوارها."أخت نور." نادتها الطفلة بعينيها الواسعتين وبصوت عذب.سألتها نور: "لماذا لا تأكلين الحلوى؟"أطرقت الطفلة رأسها، وأمسكت الحلوى بيدها الصغيرة، ثم قالت وهي تهز رأسها: "يعز علي أن آكلها.""لماذا؟"فقالت بظرافة: "سمعتهم يقولون للتو إن هذه الحلوى أطيب ما تذوقوه، أخشى أن أُنهيها سريعًا، لذلك سأحتفظ بها وألعقها قليلًا قليلًا، لأستمتع بها أطول وقت ممكن".ولعقتها بلسانها بحذر. شعرت نور بغصّة في قلبها لدى سماعها ذلك.بالنسبة لها، لم تكن سوى حلوى عادية. من تلك التي اعتادت أكلها في طفولتها.مسحت على رأسها وقالت: "أنتِ ما زلتِ صغيرة الآن، وحين تكبرين وتصبحين في مثل عمري، ستشترين ما تشائين من الحلوى، وستأكلين منها كثيرًا".أعادت الطفلة الحلوى إلى جيبها ورفعت عينيها اللامعتين وهي تقول: "حقًا؟ حين أكبر سآكل كثيرًا من الحلوى؟ أحب الحلوى كثيرًا!"أجابتها نور: "إذًا عليكِ أن تجتهدي في دراستك، وتجني الكثير من الم

  • إثر مغادرة زوجته، انهار السيد سمير بالبكاء بعد اكتشاف حملها   الفصل398

    هي ليست غبية. فقد سمعت عن أميرة وطباعها من الآخرين.تريد دائمًا أن تكون الأقوى، ولا تسمح لأحد من الوافدين الجدد أن يسرق الأضواء منها.وحين فضحتها نور بهذا الوضوح، شعرت أميرة بالحرج والغضب، فصرخت: "كفى كلامًا فارغًا، يجب أن ترافقيني!"لكن نور أجابت: "لديّ أمر آخر، سأرحل الآن!"وتجاوزتها من فورها، عازمة على ألّا تجعلها تتحكَّم بها.ارتجفت أميرة غضبًا، وراحت تدوس الأرض بقدمها وهي تصرخ: "نور!"لكن نور لم تلتفت إليها.ولم يتجرأ أحدٌ على أن يتكلَّم.فنور أول من أظهر ازدراءه لأميرة بهذا الشكل.خرجت نور من المحطة، واستقلت سيارة أجرة نحو عنوان الميتم.كان الوضع هناك طارئًا؛ فالمكان في منطقة نائية خارج المدينة، والطرقات وعرة، ولا يلحظه أحد بسهولة.وعند وصولها، نزلت من السيارة أمام بوابة الميتم الحديدية الصدئة، وخلفها غابة صغيرة من الخيزران، ومبانٍ قديمة لا تليق بمدينة مزدهرة مثل العاصمة."هل أنتِ الآنسة نور؟" قالت مديرة الميتم بعدما رأت نور تقف خارجًا.كانت امرأة في الأربعين من عمرها، شابَ شعرها مبكرًا، فزادها عمرًا على عمرها، ترتدي ثيابًا بسيطة وحذاءً قماشيًا مرقّعًا.حياتها قاسية للغاية.أومأ

  • إثر مغادرة زوجته، انهار السيد سمير بالبكاء بعد اكتشاف حملها   الفصل397

    "أخت أميرة." اقتربت إحدى الفتاتين من أميرة بعد أن خطرت لها فكرة، وهمست لها: "أتدرين أن الموظفة الجديدة كانت تعمل سابقًا في شركة القزعلي؟"رمقتها أميرة مستفهمة: "من تقصدين؟""نور، سمعت أنّ السيد سمير كان مديرها السابق، ربما تتمكن من مساعدتنا".بدت الدهشة على أميرة. فهي لم تكترث يومًا لخلفيات زملائها في المحطة.إذ لا ترى فيها نفعًا لعملها، لذا لم تر هناك ضرورة لمعرفتها.وفوق ذلك، لم يبرز أحد خلال أربع سنواتها في المحطة أكثر تميّزًا منها. فقدرتها على حلّ المشكلات جعلت رئيسة التحرير تقدِّر قدراتها، وإن نجحت في اقتناص مقابلةٍ مع سمير، فلن تجد عائقًا في طريق ترقّيها.ولم تستغرب إذن أن توكل رئيسة التحرير مهمّة كهذه لنور.هذا لأنها عملت سابقًا في شركة القزعلي، ولا يمكن الاستهانة بها....في اليوم التالي، هرعت أميرة فور وصولها المحطة إلى مكتب نور.كانت نور تستعد للخروج، فقد علمت مؤخرًا من أحد معارفها على الإنترنت أنّ ميتمًا على وشك الإغلاق، سيجد خمسون طفلًا أنفسهم بلا مأوى.وأرادت استغلال منصة المحطة لنشر مقال قد يُنقذهم.وبينما كانت تهمّ بالمغادرة بعد أن رتَّبت أغراضها، اعترضتها أميرة، فرفعت

More Chapters
Explore and read good novels for free
Free access to a vast number of good novels on GoodNovel app. Download the books you like and read anywhere & anytime.
Read books for free on the app
SCAN CODE TO READ ON APP
DMCA.com Protection Status