LOGINعندما اشتدّت عليّ نوبة التهاب الزائدة الدودية الحاد، كان والداي وأخي وحتى خطيبي منشغلين بالاحتفال بعيد ميلاد أختي الصغرى. اتصلت مراتٍ لا تُحصى أمام غرفة العمليات، أبحث عمّن يوقّع لي على ورقة العملية الجراحية، لكن جميع الاتصالات قوبلت بالرفض وأُغلقت ببرود. وبعد أن أنهى خطيبي أيمن المكالمة معي، أرسل رسالة نصية يقول فيها: "غزل، لا تثيري المتاعب الآن. اليوم حفلُ بلوغ شهد، وكل الأمور يمكن تأجيلها إلى ما بعد انتهاء الحفل." وضعتُ هاتفي ووقّعتُ بهدوء على استمارة الموافقة على العملية. كانت هذه المرة التاسعة والتسعون التي يتخلون فيها عني من أجل شهد، لذا لم أعد أريدهم. لم أعد أشعر بالحزن بسبب تفضيلهم لها عليّ، بل بدأت أستجيب لكل ما يطلبونه بلا اعتراض. كانوا يظنون أنني أصبحت أكثر طاعة ونضجًا، غير مدركين أنني كنت أستعدّ لرحيلٍ أبدي عنهم.
View Moreاحمرّت عيناي قليلًا، وعندما تذكّرت سنوات الإهمال الطويلة التي عشتها، ورغم أنني حاولت تجاوزها، إلا أن صدري ظل مثقلًا بالألم والاختناق."كنتما تران في شادي الأمل والتوقعات، وتغمران شهد بالدلال والحب، أما أنا فماذا كنت؟ وجودٌ لا قيمة له، حتى اسمي لم يكن له معنى. على عكس أخي الأكبر وأختي الصغرى، أحدهما كان كالشمس التي تحمل نصف السماء، والأخرى كالقمر الساطع بين أيديكم! بما أنكما لم تحباني، فلماذا قمتما بإنجابي من الأساس؟""الآن سأرحل، سأبتعد عنكم قدر المستطاع، ألا يمكن أن يعيش كلٌّ منا بسلام؟"كانت والدتي تذرف الدموع من كلماتي."غزل، لقد أخطأنا أنا ووالدكِ، ونحن نعلم أننا أخطأنا! أنتِ ابنتنا أيضًا! كيف يمكن لرباط الدم أن يُقطع بهذه السهولة؟""ليتني لم أكن ابنتكما!"بعد أن قلت هذا، استدرتُ وتوجهتُ إلى الكواليس، دون أن ألتفت إلى عائلتي التي غرقت في البكاء.وربما كان وقع تلك الكلمات شديدًا، فلم يظهر أيٌّ من أفراد عائلة جبران أمامي لفترة طويلة بعدها.لكن ماضيّ انكشف، وخاصةً حادثة حبسي في غرفة مظلمة بسبب رد فعل تحسسي، وقيام خطيبي بتأجيل الزواج فقط ليأخذ شقيقتي في رحلة سياحية، كل ذلك وصل إلى مسام
حدّقتُ فيه بثبات حتى صرف نظره بشعورٍ بالذنب، ثم وافقتُ قائلةً:"صحيح، كان عليّ أن أتنازل لها، لذلك اخترتُ أن أتنازل عنك لها، أليست النهاية السعيدة هي أن تكونا معًا؟"حاول أيمن أن يشرح، لكنني لوّحتُ له ببرود:"لقد تلاشت مشاعري تجاهك بسبب محاولاتك المتكررة لإجباري على التنازل، لم أعد أحبك، ولن أضحي بنفسي من أجلك بعد الآن. قد لا يقدّرني أحد، لكنني أقدّر نفسي جيدًا."بدا أيمن وكأنه أصيب بالذهول، فتراجع عدة خطوات وكأنه غير قادر على تحمّل هذه الصدمة.لم أنظر إليه ثانيةً، وتابعتُ سيري إلى الكواليس.لكن سرعان ما أوقفني الثلاثة الآخرون.نظر إليّ شادي وعيناه تفيضان بمشاعر مختلطة:"لقد حققتِ نجاحًا كبيرًا في السنوات الماضية منذ أن تركتِنا."ثم تنهد أبي بعمق وقال: "غزل، لقد قرأنا دفتر يومياتك، وعندها فقط أدركنا حجم معاناتكِ طوال هذه السنوات."تذكّرتُ دفتر اليوميات الذي رميته في الزاوية قبل رحيلي، ولم أتوقع أنهم سيعثرون عليه ويقرؤونه.كان صوت أبي مثقلاً، وكأنه يتحدث عن سوء فهمٍ عظيم، وبدأ يشرح معاناتهم خلال هذه السنوات.تحدث عن انشغالهم بالعمل لتوفير حياة أفضل لنا، وكيف أهملوا نشأتي في المقابل.وقا
"أنا؟ لا، لم أقم بأداءٍ على المسرح من قبل."لوّحتُ بيدي باضطرابٍ وخوف، لكن أستاذتي ربتت على كتفي بثقة تامة."لا تُقلّلي من شأن نفسكِ، أنتِ تلميذتي المُفضّلة. صوتكِ نقيّ وموهبتكِ نادرة وموسيقاكِ تحمل في طيّاتها قصصًا كثيرة، تجعل من يسمعها يذرف الدموع."نظرت إليّ أستاذتي نظرةً عميقة."لا أعرف ما مررتِ به حتى تكتبي هذه الموسيقى المؤثرة، لكن ما أستطيع قوله هو أن معاناتكِ السابقة لن تكون إلا طريقك نحو النجاح في المستقبل. ثقي بنفسكِ يا غزل. أطلقي العنان لمواهبكِ؛ فأنتِ تستحقين إنجازاتٍ أعظم."انهمرت دموعي على الفور.اتضح أن هناك من استطاع أن يسمع معاناتي وسنوات صبرِي في موسيقاي، وأن يتعاطف مع قصتي من خلال أعمالي.هذا هو سحر الموسيقى، وهذا هو المجال الذي أُريد أن أُكرّس حياتي له.كان حفل أستاذتي ناجحًا للغاية، وتألقتُ على المسرح بأداءٍ مذهلٍ لمقطوعتي الجديدة التي ألفتها، فأبهرت الجميع وترسخ في أذهانهم صوتي الفريد وأغنيتي المفعمة بالقصص.وكما قالت أستاذتي فإنّ مصاعب الماضي، إن لم تكسرني، ستدفعني إلى آفاقٍ أوسع.تدفقت إلهاماتي الإبداعية بلا انقطاع، من الاحتجاج على ظلم القدر إلى التحرر من صعوبات
عندما اقتحم المسعفون الغرفة، كنتُ قد فقدت الوعي منذ زمن بسبب الاختناق الناتج عن الحساسية.لحسن الحظ كان المسعفون على قدرٍ عالٍ من المهنية؛ فقد أعطوني على الفور حقنة مضادة للحساسية، وانتشلوني من يد الموت."سيدتي، كان حلقكِ متورمًا بسبب رد فعل تحسسي، وعلى الرغم من أن الأعراض قد خفت، إلا أننا ننصحكِ بالذهاب إلى المستشفى لإجراء فحص شامل."ثم ساعدني الطبيب على النهوض ووضعني على نقالة.في تلك اللحظة، اندفع الخادم شوقي فجأة من الفناء الخلفي، وحين رأى المكان مليئًا بالمسعفين، اتسعت عيناه رعبًا."ما الذي يحدث؟ كيف دخلتم إلى هنا؟"وما إن التفت ورآني بوجهي المتورّم فوق النقالة، حتى انقطع نفسه فجأة، وأمسك صدره وانهار أرضًا.صُدم الطبيب."أسرعوا! ضعوه في سيارة الإسعاف!"وبعد لحظات من الفوضى، نظر الطبيب إليّ بوجه متردد وقال:"أنا آسف، لقد أصيب هذا المريض بنوبة قلبية مفاجئة، ويجب نقله إلى المستشفى فورًا، لكن سيارة الإسعاف لا تتسع لشخصين…"فهمت مراده، ورفعت جسدي الضعيف قليلًا وقلت بلطف:"إنقاذه أولى، وأنا بخير الآن، يمكنني الذهاب لاحقًا بمفردي. سأحوّل لكم التكلفة، أنقذوه رجاءً!"تركتُ سيارة الإسعاف تن