مشاركة

الفصل3

مؤلف: ظل الغيم الماطر
قصر السكينة، مقر إقامة الملكة الأم.

لما بلغها أمر دار آل الرياشي، استبشرت الملكة الأم، وقالت للمربية خيرية الطائي التي تخدم بقربها.

"في العام الماضي، يوم مولدي، رأيتُ تلك روزان الرياشي، وكان طبعُها لينًا أكثر مما ينبغي، وظننتُ يومئذٍ أنها لا تقوى على مقام الملكة."

"وما وقع اليوم أمرٌ طريف، لقد ردّت على رجال مرجانة علنًا."

"لقد جعلتني أُعيد النظر فيها."

خيرية الطائي من كبار خدم الملكة الأم، خبيرة بتصاريف الحب والبغض في القصر، صبّت للملكة الأم كأسًا من الشاي الحار.

"لكن، مع ما للسلطان من ميلٍ شديد إلى المحظية مرجانة، فلو كانت الملكة أذكى النساء وأجراهن، لعسر عليها أن تُنازل من في قاعة السمو، ولا يُؤمَن أن تعبث المحظية الليلة."

خبت ابتسامة الملكة الأم.

"صدقتِ، وما زلت أذكر أن سوار الشمسي دخلت القصر يومًا، وكان السلطان قد همّ أن يقربها، فإذا بمرجانة تتدخل وتستدعيه إليها."

"مسكينة سوار، وأنا عمّتُها، لم أستطع أن أنفعها."

تنهدت خيرية.

"سلطانُنا يفرّق في الحب والبغض تفريقًا بيّنًا، وما استطاعت واحدة في الحريم أن تُشارك المحظية مرجانة ودَّه، وأخشى أن تبيت الملكة الليلة في خلوة."

وكان هذا ظن الملكة الأم أيضًا.

فالسلطان وإن لم تكن ولدته، فقد ربّته بيدها، وهي أبصر الناس بطبعه.

إن له هَوَسًا قديمًا، جعل ما فاته من رُبى وما كان لها في قلبه من حبٍّ في شخص مرجانة هذه التي تُشبهها.

ولولا اعتبارُه وصيةَ السلطان الراحل، لجعل كرسي الملكة لمرجانة نفسها.

……

حلّت الساعة المباركة، ومشت ليان في ثوب عرس مُطرَّز بخيوط الذهب ومراوح الطير الملوّن، وعلى رأسها تاج مكلل بالأحجار الخضراء، وخلفها موكبٌ قرمزي يمتد على طول الطريق، فوق الممر المرصوف باليشم.

وفي نهاية الممر درجٌ أبيض من اليشم يعلو فجأة.

كل عشر خطوات تُقرَع طبلةٌ بيد الحرس.

لم تكن ترى أمامها، فأسندتها الوصيفة لمياء الحسني حتى صعدت.

وقفت، ثم أدّت التحية.

وعند انحناءة الزوجين، هبّت ريحٌ فرفعت طرف غطاء رأسها، فرأت وجه الطاغية.

كان وسيماً ناصعًا، هادئ الحاجبين والعينين، لا كهيئة العابس الجبّار الذي شاع خبره.

لم تتغيّر ملامح ليان، غير أن في قلبها شيئًا من العجب.

نظر إليها الرجل بدوره، ثم صرف بصره في لحظة، وكأنه رجل شديد التحفّظ.

وزفاف السلطان والملكة لا يقتصر على التحية للأرض والسماء، بل يضمُّ أيضًا طقسَ تعظيم الأسلاف.

وبعد أربع ساعات كاملة، تماسكت ليان، بينما خَدِرَت ساقا لمياء.

دخلتا حجرة العروس.

فلما خفّ الجمع إلى القاعة الخارجية، سبقت لمياء بالكلام إلى سيدتها قائلة: "آنستي، ليس السلطان كما تخيلت، فوجهه ليس شديد البأس كما يُقال."

كانت تظنه عبوسًا شرسًا لا يلين.

وما إن فرغت من كلامها حتى دخلت سيدةٌ كبيرةُ الخبرة، وقد سمعت ما قالت لمياء، فصححت ببرود.

"بئستْ عينان لا تُبصران! إن الذي رأيتِه اليوم هو الأمير سليم، وقد ناب عن السلطان في أداء المراسم."

"ماذا؟" خرس لسان لمياء من الدهشة.

أيوجد في زفاف السلطان والملكة من ينوب عن السلطان؟

واستغربت ليان ذلك أيضًا.

سألت لمياء تلك السيدة: "ولِمَ ناب الأمير سليم؟ أين السلطان؟"

وضعت السيدة أدواتها في موضعها، وأجابت متضجرة: "اليوم ذكرى وفاة رُبى، فمضى السلطان ليزور قبرها."

ثم خرجت من المخدع.

دوى في رأس لمياء كأنه سيتشظى.

"آنستي، كيف له، كيف له أن يفعل ذلك بك!"

إن للذكرى موعدًا كل عام، أما الزفاف فمرةٌ واحدة في العمر.

ثم إن السلطان إن فعل هذا، أليس في مجلس الدولة من ينصحه؟

وأما ليان فبقيت هادئة، على خلاف غضب لمياء.

فليست غايتها أن تتنافس على الحب، فقد دخلت القصر مُكرهةً لتحفظ آل الرياشي، ثم لتثبت كرسي الملكة وتقتصّ لروزان.

لذلك، فلا يعنيها كيف يعاملها السلطان.

قالت ليان: "لن يأتي السلطان، فلنتهيّأ."

"سمعًا."

وما إن فرغت لمياء من حلِّ حُليِّ الرأس، حتى دخل خادمٌ برسالةٍ يقول.

"يا مولاتي، لقد عاد السلطان إلى القصر، وقريبًا سيأتي إليك."

انعقد حاجبا ليان، ونظرت إلى المشابك فوق مائدة الزينة.

أتراها تُعيد كل ما خلعته؟

يا لهذا الطاغية، إن كان قد خرج للزيارة، فلِمَ لا يمكث ليلته؟

أيعود على الموعد ليُعجّل بالدخول، ويقضي الوطء على عجل؟

استمر في قراءة هذا الكتاب مجانا
امسح الكود لتنزيل التطبيق

أحدث فصل

  • عروس الحرملك... التي قهرت الطاغية   الفصل30

    كانت كتف ليان مثبتة، ويدها مقبوضة.السلطان عاصم رجل في النهاية، وقوته كبيرة. إذا وقعت في يده، فلا تفكري بالفرار. قال: "يا حرس". بأمر واحد منه، اندفع الحرّاس إلى الداخل. قال: "اقبضوا على المغتالة". وإذ هم يوشكون على الإمساك بها، رفعت ليان ركبتها أولًا، مستهدفة أسفل عاصم. انحرف عاصم إلى الجانب، وضاعف ضغط يده القابضة على كتفها. ومبارزة السادة لا تحتمل ذرة تهاون. وما إن خفّ ضغطه قليلًا حتى كسرت ليان قيده، وخطفت نطاق سرواله من عند الخصر… هووف. في لحظة، أدارت الحراسات رؤوسهم غريزيًا لئلا يروا انكشاف السلطان. وفي تلك اللمحة أفرغ عاصم يدًا بسرعة، وأمسك بالسروال مانعًا انزلاقه. لكن وبسبب حفظه لكرامته بهذه الحركة أفلت قبضته تمامًا، ولم يبق إلا يد واحدة تمسك ليان. كما تعجز قبضتان عن أربع أيد، فقبضة تعجز عن يدين أيضًا. وانزلقت ليان كسمكة لزجة مراوغة، ففلتت من تحكم يده الباقية. ثم اغتنمت ذهول الحرّاس وخوفهم من مساس المهابة، وقفزت من نافذة جانبية. كان تسلسلها انسيابيًا كالغمام، ولو ترددت حركة لفشلت في الفرار. أما الحرس الداخلون متأخرًا فلم يفهموا ما جرى، إنما أحسّوا ببرد يجتاح القاع

  • عروس الحرملك... التي قهرت الطاغية   الفصل29

    في منتصف الليل، في قصر النجوى. فشش سهم حاد استقر في إطار باب القاعة. في لحظة، انطلق الحرّاس جميعًا. قالوا: "هناك مغتال". القاعة الداخلية. كان عاصم يرتدي ثوب نوم من الديباج الموشى، وشعره الأسود منسدل كالشلال، يزيد وجهه وسامة فاتنة. قال: "ما الخبر؟" حمل لبيد السهم بكلتا يديه، وعلى رأسه رقعة، وتقدّم بحذر إلى الستارة. قال: "مولاي، هذا ما خلّفه المغتال". مدّ عاصم يده من داخل الستر، وأصابعه طويلة قوية. وتحت ضوء الشموع قرأ ما في الرقعة. مكتوب: "غدًا عند آخر الليل، قصر الشروق، لأجل علاج سمك". ضاقت حدقتا السلطان عاصم فجأة. ثم سحق الرقعة في يده حتى صارت فتاتًا. قال: "ما زالت تجرؤ على المجيء". يبدو أنها عرفت هويته، فأرسلت الرقعة مباشرة إلى قصر النجوى. لم يفهم لبيد المراد. قال في نفسه: "من تكون؟" أيعرف مولاي ذلك المغتال؟ … في مساء اليوم التالي. قصر الشروق. أحاط الحرس الخفي هذا القصر المهجور بطبقات من الطوق، ترقبًا لظهور المغتال. ما إن حان وقت آخر الليل، حتى دفعت باب القاعة امرأة في هيئة وصيفة ودخلت. فحاصروها على الفور. والغريب أن رد فعل المغتالة لم يكن الفرار… نظرت ليان

  • عروس الحرملك... التي قهرت الطاغية   الفصل28

    ظنّت مرجانة أنها أساءت السمع. كيف يمكن للسلطان أن يذهب إلى جنان؟ قال زاهر بعد ذلك. "الأمر يقين، للتو أرسل يقول لا تنتظري، فالسلطان سيتناول العشاء عند جنان." ساور مرجانة ضيق، فانعقد حاجباها قليلًا. لكنها ما لبثت أن قالت في نفسها إنه وإن تعشّى هناك فلن يعطف على جنان قطعًا. لا يجوز أن تربك صفوفها لأمر صغير فتكون أضحوكة لغيرها. اشتهر في القصور أن السلطان قصد جنان فعمّ الذهول. وكانت نهى أشد غضبًا فرمت في الحال صحنًا فكسرته. "منذ متى دخلت جنان القصر؟ وبأي حق تسبقني إلى الحظوة!" حاولت وصيفتها أن تلطف القول. "مولاتي، إنما ذهب السلطان إلى جنان، ويقال إن أباها نال فخر النصر، فلعل السلطان يُظهر سعة فضله." قطّبت نهى جبينها بغتة. "أتُراك ترين أن عمّتي كانت محقّة وأن الملكة هي من ساعدت جنان من وراء الستار؟" أجابت الوصيفة بتحفظ. "مولاتي، الأمر مشكل الحكم فيه." "ولكن الملكة نفسها محظور خروجها أفبيدها مثل هذه القدرة؟" عادت نهى تتردد. لو كان لها ذلك لألحت لنفسها لا لتجعل النفع لجنان. هي لا تصدق أن في الحريم امرأة لا تريد الحظوة. أسعد الناس تلك الليلة جنان. فمنذ زمن وهي في القصر وهذه

  • عروس الحرملك... التي قهرت الطاغية   الفصل27

    كانت جنان بين الدهشة والسرور، فمسحت دموعها سريعًا ونظرت إلى الخارج. ولما رأت ذلك المِصد الذهبي نسيت وجعها كأن جرحها قد اندمل. خمّنت الوصيفة إلى جوارها. "مولاتي، يُقال إن مولاي السلطان بعدما غادر قصر الوفاق قصد قاعة السمو، ولا بد أن مرجانة قالت فيه خيرًا فأتت هذه العطية؛ عليك أن تشكريها." هزّت جنان رأسها بقوة. "نعم، مرجانة أخت صادقة في وُدها لي، بخلاف تلك الملكة." وما إن ذُكرت الملكة حتى عاد الحقد يغلي في صدرها. هذا الثأر ستأخذه لا محالة. … قصر النجوى. القاعة العظمى ساكنة لا صوت فيها. في نصف الليل. … امتدت يد من الداخل فأزاحت ستر السرير بعصبية. تسللت أشعة القمر عبر شقوق الضوء إلى داخل الستر. جلس عاصم هناك ورداؤه الواسع مفتوح يكشف صدرًا ممشوقًا. وضع يده على جبهته يعرك ما بين حاجبيه بضيق. لم يستطع النوم. كان يعيد حديث قصر الوفاق في ذهنه. ليس صحيحًا. لقد همّ آنذاك أن يجلد وصيفات الملكة زجرًا لهن. فكيف انقطع الأمر بلا تتمة. في أي موضع استدرجته الملكة وأدرجته في قولها. منذ ذكرت أبَا جنان وإخوتها مضى معها في الحديث، بل تحققت صحّة ما سمته برسالة الأهل… وفي النهاية لم يع

  • عروس الحرملك... التي قهرت الطاغية   الفصل26

    رفعت ليان رأسها ببطء وعيناها هادئتان كبركة ميتة لا تموّج فيها. "مولاي السلطان، لقد زل لساني من قبل فأسخط المقام، وأنا منذئذ أحاسب نفسي ليلًا ونهارًا بذنوب معلقة، ولست أهلًا لخدمة المقام السلطاني." تلألأت عينا عاصم ببرودة عميقة تحمل خطرًا مكتومًا. "الملكة تعرف قدر نفسها." "هيئوا الموكب، إلى قاعة السمو." … بعد انصراف السلطان بدت لمياء كأنها انهارت تمامًا، فاتكأت مترنحة على حافة الطاولة. "مولاتي، لقد أفزعتِني حتى الموت…" ولما تأكدت أن لا أحد حولهما قالت لمياء بقلق تنصح. "مولاتي، لم يُدنِ السلطان جنان من وصاله، فإن كنتِ تريدين بها كسر انفراد مرجانة فقد أخفقتِ." "بل وأغضبتِ السلطان وزدتِ الشقاق مع مرجانة وجنان؛ أليس في ذلك جعلٌ لوضعنا أسوأ؟" لم ترَ ليان أنها خسرت. قالت بسكينة. "جنان قريبة من مرجانة ومن يقرب من الماء يسبق إلى الارتواء، فلو كان السلطان مائلًا إليها لكان قد آثرها منذ زمن." "آه؟ إذن أنتِ تعلمين أن السلطان لن يدنو من جنان ومع هذا رتبتِ لها مبيت الليلة؟" ثم قالت لمياء وقد خطر لها أمر آخر: "وأنتِ أيضًا تعلمين أنه لا يحب ذلك فأرسلتِها عمدًا إلى قصر النجوى، أليس كذلك؟"

  • عروس الحرملك... التي قهرت الطاغية   الفصل25

    كانت ليان تُقبَض على عنقها، وقد احمّرت ملامحها قليلًا. "هذه كلها مذكورة في رسالة أسرية …" قال السلطان عاصم: " رسالة أسرية؟" ولم يصدق. وأمرها أن تُخرج تلك الرسالة المزعومة. وخارجًا ذُهلت سلامة. من أين أتت تلك الرسالة؟ وما إن استدارت… يا ساتر، أفزعها ذلك! متى عادت لمياء يا ترى؟ ثم ما الذي تحمله في يدها؟ تجاوزت لمياء ذهول سلامة، وأسرعت إلى المخدع. قالت: "يا مولاي، هذه رسالة بعث بها السيد حسام اليوم." أرخى عاصم قبضته وتناولها ليتفحصها بنفسه. وكانت مكتوبة بلهجة أب إلى ابنته. وفيها: "روزان يا ابنتي، قلتِ من قبل إنك تريدين القيام بحق الملكة وأن تعدّي المحظيات أخوات فتُحسني إليهن، فسرّني ذلك. لهذا جمعتُ شيئًا من الأخبار لعلها تعينك…" وكان فيما بعد ذكرٌ لجنان ولغيرها من المحظيات. وأبرز ما فيه مواقيت دخولهن القصر، وصلات أهلهن، وميولهن. ومن سياق الكتاب يُرى حرص الملكة على شأن الحريم. كأنها حقًا تعدّهن أخوات وتريد معرفتهن. لما فرغ السلطان عاصم من القراءة بقي وجهه جليديًا. قال: "نِعْمَ الملكة أنتِ، أحسنتِ الإحاطة بكل شيء." ولم يكن ليُخدع، فأمر بمضاهاة الخط حالًا. وبينما ينتظر

فصول أخرى
استكشاف وقراءة روايات جيدة مجانية
الوصول المجاني إلى عدد كبير من الروايات الجيدة على تطبيق GoodNovel. تنزيل الكتب التي تحبها وقراءتها كلما وأينما أردت
اقرأ الكتب مجانا في التطبيق
امسح الكود للقراءة على التطبيق
DMCA.com Protection Status