صوّرت نور لِسيرينا بعض الصور.ومع أنّ شهرتها لم تقم على الجمال، بل على التمثيل المتقن، إلا أنّها رفعت بمكانتها كثيرًا من الممثلين الرجال.أعجبَت نور بهدوئها وتماسكها.وحين انتهى عرض الأزياء على المنصة، قادت نور المصوّرين نحوها.لمّا وقع بصر عائشة على سيرينا، صرخت بصوت مرتفع: "سيرينا! إنني أراها حيّة أمامي!"ابتسمت نور من انفعالها، وقالت: "ألِهذا الحدّ منفعلة لرؤيتها؟"هتفت عائشة: "طبعًا! شاهدت لها مسلسلات كثيرة، هل يعقل أنني ألتقيها الآن؟ أنا أرى ممثلتي المفضَّلة، إنني أعشقها!"اقتربت سيرينا قائلة: "مرحبًا، أنا سيرينا".ومدَّت يدها نحو عائشة.تطلعت عائشة إلى اليد كأنها تحلم، وأمسكت بها مرتبكة تقول: "هل أنا في حلم؟" ثم كادت تبكي وهي تنظر لسيرينا وتقول: "لقد شاهدت كل أعمالك، وأعرف قصتك، جئتِ من مدينة صغيرة، وناضلتِ في هذا الوسط لسنواتٍ طويلة، أنا من أشد معجبيك..."اختنق صوتها وهي تتكلَّم.بادرتها سيرينا تربّت على كتفها وتقول: "حسنًا فهمت، كفى بكاءً، دموع الفتيات ثمينة للغاية".وساعدت عائشة على مسح دموعها.فازداد يقين عائشة أنّها لم تحبّ الشخص الخطأ.فقد بدت سيرينا متواضعة، سهلة المعشر، ع
بالمقارنة مع براعة شهد في استثمار الأخبار السيئة، تمسّكت سيرينا بعلوّ نفسها، ورفضت أن تمثّل في أعمال رديئة.صار عصر الفن اليوم كالوجبات السريعة، يُستبدل فيه الجديد بالأجدد سريعًا، ويُنسى القديم بسهولة.بعض الناس قد يشتهرون بمسلسلٍ واحد.لكن إن لم تسنده أعمال لاحقة، هبط من القمة إلى الحضيض في لمح البصر.ساحة المنافسة قاسية، رأت نور هذه الحقيقة بوضوح، حتى وإن لم تكن من أهل الوسط الفني.فمجرّد قبول عمل رديء، أو حتى التشبّث بسمعة مشوّهة، يكفي ليجعل من المرء سلعة ناجحة ما دام قد جذب الانتباه.قالت نور وهي تنظر إلى سيرينا: "أنتِ ممثلة عظيمة. ليس لأن تمثيلك متقن فحسب، بل لأنك لا تجرين مع التيار، قلّما يُرى أناسٌ مثلك، وسيأتي يوم تنفجر فيه شهرتك".نظرَت إليها سيرينا، وغمرها سرور واضح حين تلقت ذلك الإطراء، وقالت: "ينبغي الآن أن أناديكِ بالصحفية نور. شكرًا لتشجيعك، سأبذل جهدي".أعطتها بطاقة عملها قائلة: "رغم أن شهرتي لم تعد كما كانت، لكن إن احتجتِ مساعدة مهنية، فسأقف معك".أدركت نور أن هذه المرأة باردة المظهر، لكنها دافئة الجوهر، فأخذت منها البطاقة."سيدتي."اقترب فجأة صلاح أمامها.تفاجأت نور حي
لم يقتصر قدوم الصحفيين إلى هنا عليهم وحدهم.تتقدَّم شبكة الإنترنت الآن بشكلٍ سريع، فتسابقَ الجميعُ ليكون الأول في نشر الخبر.من ينشر أولًا، ومن يحرز دقةً أكبر، يظفر بنسبة مشاهدة أعلى.لم يُعَدّ عرض الأزياء خبرًا جللًا. لكنَّه يُبثّ مباشرة. فاندفع الكلُّ ليغتنم أول دفعةٍ من المشاهدات.سارَت بعض العارضات على المنصّة، وجلس في المقاعد الأمامية عددٌ قليل من النجوم، أمّا نور فانشغلت تبحث عن أفضل زاوية لالتقاط الصور."آنسة نور."التفتَت نور ما إن سمعت أحدًا يناديها، فإذا بسيرينا واقفة هناك خلفها. تطلّعت يمينًا وشمالًا، فرأت أن هذا المكان يعجّ بالعاملين، بينما النجوم داخل القاعة، فقالت بدهشة: "آنسة سيرينا، لماذا أنتِ هنا؟"ابتسمت سيرينا ببساطة وقالت: "لا داعي أن تناديني آنسة، نادني بسيرينا فقط".حملت نور عنها انطباعًا حسنًا، فقالت: "لكن كيف خرجتِ إلى هنا؟ عودي إلى الداخل سريعًا، فهذا المكان كله عاملين، وقد يحاصروكِ بالصور!"فنور تعلم جيدًا جنون الصحفيين.وخروج سيرينا هكذا، قد يعرِّضها للخطر.لم تكترث سيرينا، وألقت نظرة على الصحفيين والمصورين الذين انشغلوا جميعًا بغيرها، ثم ابتسمت وقالت: "هل
ضحك سمير ببرود قائلًا: "أرأيتَ حبًّا متبادلًا على هذه الشاكلة من قبل؟"لم يجد الطرف الآخر ما يرد به.فالكلّ راشدون، وعليهم أن يتحمّلوا تبعات أنفسهم، وليسوا بهذه السذاجة ليُخدعوا بسهولة.شعر أن سمير يبالغ في ردّة فعله.لكن حين فكّر قليلًا، وجد أن القلق قد يعمي البصيرة، وخوفه ليس في غير محلّه.شدّ سمير ستار النافذة جانبًا، وألقى نظرة إلى الخارج بعينين يغلّفهما العمق والهمّ، وقال: "الرجال الذين عرفتهم قلة، ماذا إن جاء أحدهم يُلقي عليها بضع كلمات معسولة، فانخدعت به؟ الاحتمال قائم".كل شيءٍ وارد.لم يُرد أن يترك فجوة واحدة للطمأنينة.أنهى المكالمة، وعاد إلى غرفة تبديل الملابس.كانت نور قد خرجت لتوّها، وحين رأته يدخل كأنما حسب توقيت ظهوره بالدقيقة، مدّت يدها لتأخذ مجفّف الشعر، وقالت: "سأجفف شعري بنفسي".لم يُصرّ، بل اكتفى بالنظر إليها قائلًا: "لدي عمل بعد قليل، لنؤجل المقابلة للمرّة المقبلة"."حسنًا." أجابت وهي تدير ظهرها له، تنشغل بتجفيف شعرها من غير أن تلتفت.وحين فرغت، خرجت معه."نور!"كانـت عائشة تنتظر بالخارج، ولم ترهما إلا بعد انتظارٍ مطوَّل.رأتهما يرتديان زيًّا رياضيًا متطابقًا، أشبه
ثبت سمير عينيه على نور.فارتبك قلبها تحت تلك النظرات الحادة، وقالت بتوجس: "أنهيت السباحة؟ دعني أخرج إن كنت قد انتهيت".أظلمت عيناه أكثر وأكثر، وقال: "أأنتِ متأكدة أنك لا تخدعينِي؟"شدّ القلق خيوطه حول جسدها كأنها حبال تخنق أنفاسها، وتقيِّد حركتها، رفعت رأسها وحدّقت في عينيه قائلة: "أنا لا أخدعك".قطّب حاجبيه قليلًا، ثم تراخت قبضته وهو يهمس: "خدعتِني مرة، ولن أسمح لك بخداعي ثانية".آثرت نور الصمت، ففي حالتهم هذه، لا يهم إن كانت تخدعه أم لا.فالإنسان عليه أن يتوخَّى الحذر، والكذب هنا وسيلة دفاعٍ عن النفس.لم يصعِّبها عليها هذه المرّة، بل سمح لها أن تدخل غرفة تبديل الملابس لتبدِّل ملابسها.كان قد أعدَّ لها مسبقًا ثيابًا أخرى.ما إن دخلت نور، حتى سلّمتها سكرتيرة شابة ملابس رياضية مريحة، وقالت: "آنسة نور، طلب مني السيد سمير أن أعطيها لكِ".كانت ثيابها مبتلة تمامًا. وشعرها يقطر ماءً، وكانت تنوي أن تجففه بالمنشفة، فقالت: "شكرًا، يمكنك الخروج".قالت السكرتيرة: "أتريدين الاستحمام؟ سيكون أريح".فأجابت: "لا حاجة، مجفف الشعر يكفيني"."حسنًا، سأذهب لأجلبه لكِ."انصرفت السكرتيرة سريعًا.جلست نور عل
ما إن أنهت كلامها حتى تغيّر وجه سمير.أصاب حديثها موضع ضعفه كطعنة في عموده الفقري.قال ببرود: "ألا بدّ أن تذكري هذا الأمر؟"أجابته: "إني أقول ذلك، لأقلّل ما بيننا من الأذى".ثبت سمير بصره عليها، لم يكن يتقبَّل هذا الأمر سابقًا، وحاول جاهدًا أن ينساه وأن يطوي صفحته، لكنها تصرّ على فتحه من جديد، فقال: "أجهضي الطفل، وينتهي كل شيء"."لا أريد أن أفعل ذلك."ضغط شفتيه وتراجع خطوة، وقال: "سأمنحك وقتًا لتفكّري بهدوء".رفعت رأسها إليه وقالت: "الوقت لم يعد يسمح".سألها بلهجة حادة: "قولي لي إذن، ابن مَن هذا الطفل؟"قالت: "ابن روميو".قبض سمير كفَّه حتى انتفخت عروقه، وردّ بصوت بارد منخفض: "مَن هو روميو؟ يا نور، هل هذا الشخص موجود أصلًا؟"قالت: "موجود." ثم غاصت بعينيها في عينيه العميقتين، وأكملت: "ألم أخبرك؟ هو بطلي، لقد أنقذ حياتي".اشتعل رأسه غضبًا، سمع هذا الاسم مرات لا تُحصى من فمها، لكن لم يجد له أي أثر في الواقع، فصرخ: "وإن كان هذا الرجل وهمًا؟ إن كان لا وجود له، فكيف دخل حياتك؟ أُخدِعتِ به، بل ودفعْتِ ثمن خداعه!"ارتجف قلب نور، ونظرت إليه بدهشة وارتباك.نظر سمير إلى نظراتها البريئة، وإلى الصد