جميع فصول : الفصل -الفصل 410

858 فصول

الفصل 401

حدّقت زهرة بثبات في عينيه وقالت بهدوء يحمل مرارة السنين: "نعم، لقد سئمتُ من تلك الحياة، لذلك هربت، أردتُ أن أرى العالم الخارجي، لكنني كنتُ ساذجة آنذاك، كنتُ أظن أن العالم الخارجي بعيدًا عن أمي لا يعرف إلا الطيبة..."توقّف صوتها عند هذا الحد، ولم تُكمل.تابع أحمد سؤاله: "حتى وإن كانت والدتكِ قد جرحتكِ، ما العداء الذي بينكِ وبين حبيبتي سارة؟ لماذا فعلتِ بها كل ذلك؟""سارة... سارة..." حين ذكر اسمها، خيّم البرود القاتل على عيني زهرة فجأة.تقلّبت مشاعرها بعنف، وقبل أن يلتقط أنفاسه، كانت قد أمسكت ياقة قميصه بشراسة، وقالت بانفعال يكاد يُشعل المكان: "تظن أنني لم أحاول البحث عنك؟! لكن هل كنتَ تراني حينها؟ هل كنتَ ترى أختك؟ لا، لم تكن ترى سوى سارة، كنتَ تضحك لها، تدللها، تمامًا كما كنتَ تفعل معي من قبل، كانت تضحك لك بسعادة..."في تلك اللحظة، انفجرت دموعها التي كانت تكابد لكتمها، فانهارت صرخاتها مع انهيار قلبها: "هل تعلم كيف عشت طوال هذه السنوات؟! هل تدري ما الذي مررتُ به لأراك من جديد؟!"تساقطت دموعها الحارّة على ظهر يد أحمد، منحتها دفئًا غريبًا وسط كل ذلك البرد القاسي الذي اعتراها."حين هربتُ م
اقرأ المزيد

الفصل 402

كانت آثار الجروح على بشرتها البيضاء شديدة الوضوح إلى درجة تُدمي القلب، مدّ أحمد يده وسحب كمّها إلى أعلى، فامتلأت ذراعاها بالندوب، لم يكتفِ، بل رفع كمّها الآخر أيضًا.ما أثار دهشة أحمد لم يكن مجرد ندبتين أو ثلاث، بل كانت هناك آثار حروق أيضًا، التوت فوق بشرتها بانحناءات ملتوية ومخيفة، لم يكن مشهدًا يُحتمل النظر إليه دون أن يخنق القلب ألمٌ لا يُوصف.سألها أحمد: "ما الذي جرى لكِ؟"انتزعت زهرة يدها بعنف من قبضته، وقد علا وجهها قلقٌ ظاهر، وقالت بحدّة: "لا شأن لك، قلت لك من قبل، طالما لم تقتلني فسأرحل، حياتي أو موتي بعد ذلك لا علاقة لك به."وما إن أنهت كلماتها حتى استدارت وركضت مبتعدة دون أن تنظر خلفها، حتى إن أحمد لم يتمكن من اللحاق بها.امتلأت عيناه وقلبه بالذهول والارتباك، ظلّ واقفًا في مكانه كأن صاعقة ضربته.يتساءل في نفسه، ما الذي مرت به خلال هذه السنوات وهي بعيدة عن الجميع؟...في الغرفة، جلست سارة متسمّرة، ملامحها متجهمة دون أن تنبس ببنت شفة، عيناها كانتا تحدّقان في أصابعها كما لو أنها تبحث عن إجابة لا تراها.قال السيد مصطفى بنبرة هادئة: "هل انتهى الأمر؟ هذا المكان ليس آمنًا للبقاء طوي
اقرأ المزيد

الفصل 403

ارتسمت على شفتي السيد مصطفى ابتسامة مريرة وقال: "من المنطقي أن العثور على كلية في هذا العالم الواسع، مع هذا العدد الهائل من الناس، لا يُفترض أن يكون أمرًا صعبًا، إنما الصعوبة الحقيقية تكمن في إيجاد كلية مصدرها مشروع ونقي".حين سمعت سارة هذه الكلمات، فهمت على الفور، بأن الخلاف الذي نشب بين منظمة السلام والأمان ومنظمة الحشرات السامة لم يكن سوى نتيجة لاختلاف في المبادئ التي تقوم عليها شراكتهما.فالأشخاص الذين يتبرعون بأعضائهم طوعًا هم قلة نادرة، أما الباقي، فهم أولئك الذين يُستغلون في الأسواق السوداء القذرة، حيث تُنتزع الأعضاء من أجساد الأحياء بلا شفقة وتُعرض للبيع كسلعة.وكان من الواضح أن السيد مصطفى، النقي كالضياء، لا يمكنه القبول بتلك الكلية الملطخة بالخطيئة.قالت سارة: "سيد مصطفى، قبل أن تغادر، هل يمكننا إجراء اختبار تطابق الأنسجة؟"سألها السيد مصطفي: "سارة، ما الذي تعنينه بهذا؟"ابتسمت ابتسامة خفيفة وقالت: "كما قلتَ، أشعر أيضًا أننا نرتبط برابطة قدَرية خاصة، من يدري، ربما تكون أنسجتنا متوافقة؟ وإن تحققت هذه الإمكانية، هل تسمح لي بعقد صفقة معك؟"عَقَد حاجبَيه بقلق وقال: "سارة، إن كنتِ
اقرأ المزيد

الفصل 404

كان من الواضح أن أحمد لم يقتنع تمامًا بتلك الحجة، فإن كانت مجرد زيارةٍ إلى المستشفى، فما الداعي لأن تغادر منتصف الليل بكل هذا التكتّم والاحتياط؟لكن ما حدث مع زهرة جعله يشعر بمرارة الذنب تجاه سارة، ولم يعُد قادرًا على معاملتها كما في السابق.لذا، لم يقل شيئًا، بل اقترب منها بهدوء، ونظر إليها بعينين تفيض بالحنان، وقال بصوتٍ خافت: "لماذا خرجتِ في هذا الوقت المتأخر من الليل؟ وتخلّصتِ من الحراس أيضًا، ماذا لو واجهتِ خطرًا؟ ألم أقل لكِ من قبل أن الخارج ما زال محفوفًا بالمخاطر؟ أينما ذهبتِ، اصطحبي الحراس معكِ".لم تذكر سارة شيئًا عن لقائها بالسيد مصطفى، ولم يُرِد أحمد التمادي في الأسئلة، خوفًا من إثارة استيائها.أكتفت بالقول: "لم أستطع النوم، فخرجت قليلًا".كان أحمد يُمرّر أصابعه ببطء على راحة يده، وتردد قبل أن يسأل بنبرةٍ مترددة: "سمعتُ أنكِ ركبتِ سيارة مصطفى، هل أنتما مقرّبان؟"أجابت: "لسنا كذلك، فقط تشابه في الأسماء، وسبق أن أنقذتُه من قبل، وكان متجهًا إلى المستشفى، فكان الطريق مشتركًا لا أكثر".تجاوزت سارة الحديث عن علاقتها بمصطفى بكلمات مقتضبة، ثم رفعت عينيها نحو أحمد وسألته: "أما أنت،
اقرأ المزيد

الفصل 405

كان أحمد يشعر بوضوح بالبرودة التي تسري من جسد سارة، لو كان هذا في الماضي، لكان بمقدوره أن يُجبرها على العودة معه بالقوة.لكنه الآن، بعد ما حدث، لم يكن في قلبه سوى الرغبة في التعويض، فلم يكن قادرًا حتى على توجيه نظرة باردة لها، ناهيك عن قول كلمة قاسية.قال لها أحمد: "حبيبتي سارة، أعلم أن ما حدث في الفترة الأخيرة كان كثيرًا وثقيلاً على قلبكِ، لكن اطمئنّي، سأُعيد والدكِ في أقرب وقت، لن يُصيبه أي أذى بإذن الله".لكن سارة أدارت له ظهرها، وحدّثته ببرودٍ واضح: "وهل إعادته ستُجدي نفعًا؟ إن لم نكشف من يقف وراء الأمر، فسيُختطف أو يُقتل مرة أخرى، لقد وعدتني بأن تُعطيني تفسيرًا لما حدث، فمتى سيكون ذلك؟ متى ستفي بوعدك؟"لو كان هذا في الماضي، لكان أحمد قادرًا على أن يُقسم لها بحزم، لكن في هذه اللحظة، لم يكن يملك أي يقين.كيف له أن يخبرها بأن من آذى عائلتها لم يكن سوى شقيقته الصغيرة؟أتراه قادرًا على التضحية بعائلته من أجل العدالة؟هي شقيقته، تربطهما صلة دم، لطالما دلّلها منذ الطفولة، وكان يخشى عليها حتى من النسيم، وها هو بعد سنوات طويلة من الفقد، يعثر عليها أخيرًا.سيُعطي سارة تفسيرًا، ولكن بعد أن ي
اقرأ المزيد

القصل 406

إن كانت تلك الليلة مجرد شكوك، فالآن بات أحمد على يقين تام من الهوية الحقيقية لزهرة، وأدرك كل خيوط القصة من بدايتها حتى نهايتها، ووفقًا للمنطق، فبما أن سارة هي الطرف المتضرر، فلها كل الحق في أن تعرف الحقيقة.لكن أحمد لم يفتح عينيه، وقال لمحمود: "لا يمكنني إخبارها الآن، ربما مرت زهرة خلال هذه السنوات بأشياءً كثيرة".نظر إليه محمود نظرة عميقة ثم تنهد بخفة، وقال: "سيدي الرئيس، أعلم أنني لا ينبغي لي أن أقول هذا، لكن خلال العامين الماضيين، لم يكن بينك وبين السيدة سوى الخيانة أو سوء الفهم، صحيح أنك تشفق على الآنسة زهرة، وصحيح أنها عانت كثيرًا في الخارج، لكن لا يجوز أن تكون هذه المعاناة سببًا لإيذاء السيدة سارة، ما حدث هو دين في رقبة عائلة أحمد تجاهها".عندها فتح أحمد عينيه فجأة، والتقت نظرته بنظرة محمود في المرآة، وقال: "إذن ماذا تقترح على؟ أن أقتل زهرة تكفيرًا عما فعلته؟ حتى لو ماتت مئة مرة، أو ألف، فلن يغير ذلك ما حدث".فتح محمود فمه وكأنه سيقول شيئًا، لكنه لم ينطق بكلمة واحدة في النهاية، لقد أدرك أنه بعد كل ما جرى، صار الوقت متأخرًا جدًا لأي إصلاح.لكن، حتى وإن كان الوقت قد فات، فلا بد من
اقرأ المزيد

الفصل 407

راحت ياسمين تتأمل ملامح وجهه بانبهار، وابتسامة متكلفة ترتسم على شفتيها، ثم قالت بخفة: "هل خطر لكَ أنني ربما تناولتُ دواءً يسبب الموت الظاهري فقط؟"سألها العم يوسف: "ولماذا؟"ظهر في عينيه شيء من الخذلان وهو يقول: "لماذا تدّعين الموت؟ أين كنتِ طوال هذه السنوات؟ ولما لكِ علاقة بمنظمة الحشرات السامة؟"نظرت إليه، إلى هذا الرجل الذي طالما بدا مفعمًا بالشهامة، فقهقهت بخفّة وقالت: "ما زلتَ ساذجًا كما كنت، مضت كل هذه السنين ولم تتغير قيد أنملة".قال السيد يوسف: "ما الذي تقصدينه؟"نهضت ياسمين ببطء، ومدّت أصابعها تمسح بها على وجنته برقة ساخرة، وهمست قائلة: "يوسف... يا يوسف، هل تعلم كم انتظرتُ هذا اليوم؟"كلما تكلمت، ازداد العم يوسف حيرة، لم يكن يتخيل قط أن تلك المرأة الرقيقة والودودة التي عرفها في الماضي قد تتحول إلى هذا الكائن الغريب.قال محتارًا: "لا أفهم ما تعنينه... أُجيبيني، هل كنتِ أنتِ من دبر حادث صفاء؟ لماذا آذيتها؟! إنها ابنتكِ الحقيقية!""ابنتي الحقيقية؟"قهقهت ياسمين بسخرية، وقالت: "يوسف، نعم، بيني وبينك كان هناك طفل ذات يوم... لكنه مات منذ زمن بعيد".اتسعت عينا العم يوسف بذهول، فقد بد
اقرأ المزيد

الفصل 408

"أنت لا تحبني، لا ألومك على ذلك، لطالما اعتقدتُ أن الوقت كفيل بأن يجعلك تتجاوز كل شيء، وأنك في يومٍ ما، ستقع في حبي"."حتى وإن كنتَ دائمًا باردًا تجاهي، فقد حرصتُ على تربية الطفل جيدًا، كنا عائلة، وكنتُ أؤمن أنك لا بد أن تحب هذا الطفل"."لكن حين رأيتُ الحياة تُنتزع من جسد صغيري شيئًا فشيئًا، كرهتك! كرهت قسوتك وخيانتك، لماذا كنت بهذه الوحشية؟! فضّلت أن تهب كل حبك لتلك الحقيرة، ولم تمنحني أنا وطفلي حتى ذرة منه، لذا أقسمتُ أن أجعلك تندم طوال عمرك!"حين وصلت إلى هذه الكلمات، كانت عينا ياسمين تتأججان بالغل، وقالت: "حين علمتُ أن نور حامل، شعرتُ بالحقد، فأنا فقدت طفلي، فلماذا هي تملك عائلةً تحبها وطفلًا في أحشائها؟ لهذا خططتُ لكل شيء، وعندما وضعت مولودها، سرقتُه منها".ارتعشت شفتا العم يوسف، وقال: "ذلك الطفل... كان صفاء!""صحيح، ألم تكن مغرمًا بتلك الحقيرة حد الجنون؟"على وجه ياسمين ارتسمت نظرة جنونية، وقالت: "لكنني بالغتُ في تقديرك، فالطفلة كانت أصغر من ابننا، ومع ذلك لم تشكّ أبدًا في شيء، وهذا طبيعي، فأنت لم تهتم يومًا بطفلي"."لذا، كنتُ دائمًا أعامل صفاء بلطفٍ مبالغ، وجعلتها منذ صغرها تعرف
اقرأ المزيد

الفصل 409

تفجّرت كلمات الحقيقة من فم ياسمين كالسهم، لتصطدم بواقعٍ قاسٍ ارتطم برأس العم يوسف كصخرة، فتجمّد الدم في عروقه، وسرت البرودة في أطرافه الأربعة.لم يكن لديه الوقت الكافي لاستيعاب ما حدث، إذ كانت نوبة من الغضب تتفجّر في صدره، تضخمت كالكرة المنتفخة بالهواء، حتى شعر وكأنّه على وشك الانفجار.قال بصوتٍ ممتزج بالغضب والذهول، "أكان لا بد أن تفعلي كل هذا؟" كانت عيونه تفيض بالدم، وصوته باردًا كجليدٍ قارس."بالطبع لا يكفي، لقد أعددتُ لك مفاجأة ثانية أيضًا، استمتع بها كما تشاء."ثم اقتربت منه بخطى كالأشباح، وهمست بنبرة مشبعة بالكراهية، "أتدري كم عامًا انتظرت هذا اليوم؟ في كل ليلة كنت تقضيها غارقًا في حبك مع نور، كنت أشعر وكأن آلاف الديدان تنهش قلبي من الداخل! هذا العذاب، أود أن تذوّقه على مهل."وما إن أنهت كلماتها، حتى رفعت ساقها فجأة وركلته بقوة في خاصرته، فانفلتت من قبضته بسهولة.حين انتصب العم يوسف متألمًا وهو يمسك ببطنه، كانت قد ابتعدت بالفعل عدة خطوات.قالت بصوتٍ عالٍ: "أنا لم أعد تلك المرأة الساذجة التي كانت تنتظر عودتك يومًا، أنا الآن مختلفة تمامًا."كانت ترتدي فستانًا أبيض، بدا عليها وقارٌ
اقرأ المزيد

الفصل 410

كانت سارة لا تزال واقفةً عند الباب، لم تدخل بعد، وقد شاهدت كلّ ما حدث للتوّ، لمعت في عينيها نظرةٌ ساخرة، ترى، من أيّ عائلةٍ تزوّجت أمّها؟باستثناء العم يوسف، لم يكن هناك أحدٌ حقًا يكنّ لها ذرةً من الخير.لقد كانت تخدم الجدّ بإخلاص طوال تلك السنين، ومع ذلك لم يعتبرها يومًا من أهله.في نهاية الأمر، أكثر من تأذّى هو العم يوسف؛ إن كان عليه أن يُضحّي بحياة صفاء مقابل إنقاذ نور، فعندما تستيقظ نور، حتمًا لن تسامحه.لا سيما وأنه ربّى صفاء كابنته منذ نعومة أظفارها، كان يُعاملها كأنها قطعة من روحه.مثل هذا القرار، كيف له أن يُقدِم عليه؟أيّ خيارٍ سيتخذه سيكون خاسرًا؛ سيُسقطه في هاوية لا قرار لها.حتى هرعت ممرضة صغيرة وهي تهتف: "أهل المريضة، لقد أفاقت، وتطلب رؤيتكم."استدار العم يوسف فجأة، وركض خلف الممرضة، بينما سارعت سارة باللحاق به.كان الطبيب المسؤول واقفًا عند باب الغرفة، قال: "بحسب رغبة المريضة، هي لا تودّ البقاء في العناية المركزة، بل ترغب في قضاء ما تبقّى لها من الوقت معكم، لكن القرار النهائي يعود إليكم، هل توافقون على ذلك؟"في وحدة العناية المركزة، ليس فقط أن الزيارة ممنوعة، بل كل محاولة
اقرأ المزيد
السابق
1
...
3940414243
...
86
امسح الكود للقراءة على التطبيق
DMCA.com Protection Status