بدلا من أن أصبح عرضة لتحكم الآخرين بي في المستقبل، الأفضل أن أقطع العلاقة تماما من الآن.أما عن مأزق مجوهرات نادية جبران الحالي، فبالصبر والتحمل سنتجاوزه في النهاية.هشام فهم مغزى كلام فادية، وقال: "فهمتك، السيدة الصغيرة الزهيري، اتركي الباقي علي!"خرج هشام من المكتب، وودع كل كبار المدراء الواقفين عند الباب "بلطف"، لكنهم وهم يغادرون كانوا شاحبي الوجوه كأن أرواحهم قد فارقت أجسادهم.حتى إن أحدهم، وبمجرد خروجه من برج النور، أغمي عليه في الحال.وصلت سيارة الإسعاف ونقلته إلى المستشفى، والضجة لم تكن هينة، فلم تمض ساعة حتى وصل الخبر إلى مجوهرات الهاشمي.وبدأ بعض المطلعين يتناجون في الخفاء."هل من المعقول أن يكون السيد يوسف قد مارس ضغوطا على هذه الشركات؟"فادية، التي تولت منصب مديرة قسم التصميم في مجوهرات الهاشمي منذ أيام قليلة، لم تعد إلى الشركة منذ ذلك الحين، وبدأ الجميع يسمع بعض الأخبار المتفرقة.الخلاصة هي أن فادية فقدت مكانتها!فعلى الفور،قامت معظم الشركات التي كانت تسعى لإقامة شراكات مع مجوهرات نادية جبران بإنهاء عقودها مع فادية.لكن فجأة، اليوم، تغيرت الأمور، فجاءوا بأنفسهم يطلبون العود
"نعم، وقعي."ابتسم الحاضرون محاولة لكسب ودها، ومد كل واحد منهم العقد الذي أعده سلفا.ألقت فادية نظرة سريعة على تلك العقود، وابتسمت بأدب قائلة: "أوقع على ماذا؟"تجمدت الابتسامات على وجوههم.سارع أحدهم إلى التقدم نحو فادية قائلا: "الآنسة الزهيري يبدو أنك نسيت الأمر، إنه عقد التعاون بيننا طبعا. لكن هذه المرة، لن نوقع لعامين فقط، بل لعشر سنوات، وخلال هذه السنوات سنكون أوفى شركاء لمجوهرات نادية جبران.""..."لاذت فادية بالصمت.شعر الرجل بالذعر، وتذكر ما أوصاه به مديره: إن لم يتم توقيع العقد اليوم، فعليه الرحيل، وليس هو وحده، بل جميع من جاء اليوم إلى هنا بعد أن تحدثوا سريعا أمام شركة مجوهرات نادية جبران.لقد جاءوا جميعا تحت أمر صارم من مدرائهم.إن لم يوقع العقد، فسيكون مصيرهم الطرد.بدأ بعضهم يمسح العرق عن جبينه وسط صمت فادية."الآنسة الزهيري، هل هناك مشكلة في بنود العقد؟ إن كان هناك أي شيء، يمكننا تعديله على الفور حتى ترضي."لم يعد البعض يحتمل الصبر."صحيح، صحيح، الآنسة الزهيري، وحتى السعر يمكن التفاوض عليه مجددا."كل من في القاعة كان همه الوحيد توقيع العقد للحفاظ على وظيفته.لكن فادية ظلت
حتى طلع النهار في اليوم التالي، أعاد رائد تشغيل هاتفه، فجاءه اتصال من ماهر الأنصاري على الفور.دون تأخير ولو للحظة.رائد عقد حاجبيه، وما أن أجاب حتى انطلق ماهر بالسؤال بلهفة: "السيد يريد الزواج، من هي العروس؟ أكيد أنت تعرف، أليس كذلك؟ أخبرني، بسرعة!"عبس رائد.ما معنى سيتزوج؟السيد متزوج أصلا!يا لهذا الخبر البطيء! واضح أنه أول من عرف بزواج السيد!حقا، بينه وبين ماهر، السيد يولي أهمية أكبر له!وأثناء صمته، كان ماهر قد بلغ به الفضول حد الجنون."رودو، أرجوك قل لي من هي عروس السيد بالضبط؟ وإلا فإن تجهيزات الزفاف هذه ستكون عذابا، كن وفيا وأخبرني..."رائد لم يكن ينوي إخباره.لكن فجأة وكأنه التقط شيئا هاما، قال: "ماذا قلت؟ زفاف؟ أي زفاف؟ السيد سيقيم حفل زواج مع السيدة؟"ماهر: "..."هل سمع للتو ما سمعه؟"السيدة؟ أي سيدة؟"وفي تلك اللحظة، كانت "السيدة" التي ملأ ماهر قلبه فضولا بشأنها، فادية، قد نهضت من السرير.بعد أن خرج الزوج النجم الأول مساء أمس، عادت للنوم، ولم تر كوابيس في النصف الثاني من الليل.استعدت للخروج، وكانت تظن أن لقاء الزوج النجم الأول سيكون محرجا، لكنه كان قد غادر بالفعل.على ما
لكن سرعان ما ندمت فادية على استخدامها هذه الطريقة.بعد أن انتهى كل شيء، شعرت فادية وكأن عظامها قد تفككت.أما الزوج النجم الأول، فبدا في قمة النشاط، مما أشعل غيرة فادية التي رمقته بنظرة حادة، ثم أخرجته من الغرفة عنوة، غير مبالية بتدلله خارج الباب.وحين تمددت وحدها على السرير، أخذت كلمات الزوج النجم الأول تتردد في ذهنها.أي نوع من حفلات الزفاف كانت تريد؟لم يسبق لها أن فكرت فعليا في ذلك، لكنها فجأة وجدت في قلبها لمحة من شغف غريب.أما مالك، الذي طرد خارج الغرفة، فوقف أمام الباب مبتسما، ولو أن هيثم أو رائد رأوه الآن، لشهقا من الدهشة.كان يتذكر مظهر فادية الساحر قبل قليل، فيزداد شوقه لأن يهديها حفل زفاف.صورتها بفستان العرس ستكون غاية في الروعة!فكر مالك، وكأنه لا يريد أن يضيع ثانية واحدة.فاتصل فورا بمساعده الموثوق في عاصمة الدولة، غير آبه بأن الفجر لم يحن بعد."سيدي، أخيرا تذكرتني." جاءه صوت ماهر الأنصاري من الطرف الآخر، لا يزال مثقلا بالنعاس لكنه مفعم بالامتنان.ماهر ورائد هما الأقرب إلى مالك، الأول للعقل والتدبير والثاني للقوة والحسم، وهما كجناحيه. لكن هذه المرة، حين أتى مالك إلى مدينة
والعرق يتصبب من جبينها، وهي تستعيد ما رأته في الحلم، ارتجفت فادية وظلت مضطربة.وبينما الخوف يسيطر عليها، امتدت يد كبيرة لتلامس جبهتها.فارتبكت فادية فجأة، وكأن جسدها تحرك بغريزته، فتراجعت قليلا ورفعت يدها لتصفعه.جاء صوت الصفعة حادا وواضحا.شعر مالك بألم في وجهه، لكنه لم يغضب على الإطلاق، فإحساسه بفزع فادية دفعه ليمسك بمعصمها ويقول بصوت مطمئن، "فوفو، أنا هنا."كان الصوت مألوفا لها، فتوقفت مذهولة.الزوج النجم الأول؟هل صفعته للتو؟"آسفة." قالت باعتذار تلقائي، فقد لم تكن تعرف حدودها ولم ترحم في تصرفها، والآن وهي تتذكر صوت الصفعة، أدركت أنها كانت قوية بالفعل.وفي الظلام، مدت يدها تتحسس وجنته، "أنا لم أكن أعلم…"ابتسم مالك مطمئنا، "لا بأس، لم تؤلمني." ثم رفع يده ليرتب خصلات شعرها المتناثرة بجانب أذنها، وقال: "لقد كنت تحلمين، ومهما كان ما رأيته، فهو مجرد حلم."ارتبكت ملامح فادية.مجرد حلم؟لكن إحساسها في الحلم كان حقيقيا جدا، والمشهد الذي رأته فيه، يشبه كثيرا الحقيقة وراء حادث سيارة أمها.كيف يمكن أن يكون مجرد حلم؟وتذكرت ما ورد في تلك الوثيقة، وكل كلمة فيها تحمل معاني عميقة.وأمام الزوج ال
“...”مضاعفة الراتب مرتين؟ماذا يقصد السيد؟لم يفهم رائد ما يعنيه السيد بعد، حتى سمع مالك على الطرف الآخر من الهاتف يسعل بخفة، "قبل قليل لم أقصد أن أصرخ فيك، ففادية… أغمي عليها."استفاق رائد من صدمته من أن السيد يشرح له الأمر بنفسه، وما إن سمع كلمة "أغمي عليها" حتى تغيرت ملامحه فورا إلى الجدية."هل السيدة بألف خير؟" قالها بلهجة قلقة لم يحاول إخفاءها.تفاجأ مالك من هذا الاهتمام الواضح من رائد بفادية، وظهرت في عينيه لمعة خطر، لكن في اللحظة التالية سارع رائد للتوضيح: "السيدة هي أغلى ما في قلب السيد، ومن يجرؤ أن يمسها بسوء، فأنا رائد أول من يقف في وجهه!"اختفت من عيني مالك تلك الخطورة تماما، "إذا جيد، ابدأ أولا بهؤلاء الذين استغلوا موقف مجوهرات نادية جبران بسبب عائلة الهاشمي ليغرسوا خناجرهم.""أمر حاضر، سيدي."استجاب رائد وكأن ما حدث قبل قليل من انزعاج لم يكن حتى موجودا.كان قلبه يغلي حماسة.فأولئك الذين تسببوا بألم للسيدة، لن يرحمهم أبدا.أما بالنسبة لمجموعة الراسني، فحتى عائلة الهاشمي، لم تكن تؤخذ في الحسبان....عندما عاد مالك إلى الغرفة، كانت فادية مستلقية على الفراش، جبينها معقود وكأن