LOGINعادت يارا مرة أخرى إلى المنزل الذي كانت تقيم فيه مع كريم .كان هذا منزلهما الزوجي سابقًا، وكل تفاصيل الديكور فيه مصممة وفق ذوقها.في هذا المكان، عاشا معًا عامًا كاملًا من السعادة.البيت ما زال هو نفسه، لم يتغير شيء.لكن الناس تفرّقوا.عندما دخلت إلى الردهة، رأت سهير وائل جالس على الأريكة، فقالت بدهشة: "ما الذي تفعله هنا؟"كل مرة يرى فيها سهير، يشعر وائل بشيء من الاضطراب، فوقف على الفور وعدّل سترته، واعتدل في وقفته.حتى في منتصف عمره، لم يتخلَّ عن الاهتمام بمظهره.ولن يكون مبالغة إن قيل إن وائل لو مثّل في دراما تجسّد شخصية الأب الأنيق صاحب النفوذ، فمجرد وقوفه هناك كفيلٌ بإثارة إعجاب الجمهور.قال وائل بابتسامة: "سهير، ما الذي جاء بكما أيضًا؟"عقدت سهير حاجبيها قليلًا، وشعرت بشيء غير مطمئن، وفي تلك اللحظة خرج كريم من الداخل قائلًا: "أنا من استدعيته."ظهر كريم أمام الجميع بقميص أبيض وبنطال أسود كلاسيكي أنيق، ملابسه البسيطة والكلاسيكية لا تبلى موضتها أبدًا. رغم أن ملامحه بدت مرهقة بعض الشيء، إلا أن وسامته ما زالت واضحة لا تخفى.سقطت نظراته دون قصد على يارا، فالتقت عيناهما للحظة.أرادت يارا
"أمي، لا تقولي مثل هذا الكلام مجددًا، إنه لا يحبّني" قالت يارا بانفعال، "لو كان يحبّني فعلًا، لما طلقني من أجل رنا، ولما آثر تصديقها مرّة بعد أخرى وجرحني، لذلك هو لا يحبّني أصلًا""لأن كريم أحمق" قالت سهير، "لقد عانى من نقص الحبّ في طفولته، ولهذا لا يفهم ما هو الحبّ، ولا يعرف كيف يميّزه. واليوم هدف لقائي به أن أجعلكما تتحدثا بشكل جيد وجهًا لوجه، وتسأليه بوضوح من التي يحبّها حقًا""هل دبرتِ هذا اللقاء من أجلي أنا وكريم؟" تراجعت يارا بضع خطوات إلى الوراء وقالت، "لا، لا يمكنني مقابلته، لقد اتفقنا أن يعيش كلٌّ في طريقه، لا أستطيع...""توقّفي" أمسكت سهير بذراعها، "يارا، هل إلى هذا الحدّ أنتِ جبانة؟ ما قد يحدث من مجرد لقاء؟""هو لا يحبّني، ورؤيته الآن لن تكون إلا إهانة لي. لقد طلّقني من أجل رنا، ومهما حدث، لن أستطيع الرجوع إليه أبدًا."برغم الألم الذي يوجد في قلبها، ورغم حبّها لكريم، كانت يارا تدرك في أعماقها أنّها لا يمكنها أن تحاول استعادته."إن تجرّأ على إهانتك فسأضربه بنفسي! أعطي نفسك فرصة أخيرة، أليس هذا من حقك؟ أعلم أنكِ تتألمين، ورؤيتكما أنتما الاثنان تتألمان، تجعلني أتذكر نفسي مع وال
في الطريق، شعرت سهير أن حالة يارا النفسية ليست على ما يرام، فقالت: "ما بكِ؟ كأن السماء توشك أن تسقط فوقكِ.قالت يارا مبتسمة ابتسامة خفيفة: "لا شيء، فقط أشعر ببعض التوتر."أما بشأن رامي، فسهير بالتأكيد لا تهتم لأمره، وحتى لو أخبرتها يارا فلن يفيد، بل ربما وبّختها.قالت سهير: 'لا يوجد ما يدعو للتوتر، سوى أن كريم سكر تمامًا البارحة، لأنكِ قلتِ له شيئًا ما."ارتجف قلب يارا، فالتفتت إليها بسرعة وقالت: "قلتِ إنه كان سكرانًا البارحة؟"أومأت سهير برأسها: "نعم، جاء إلى بيتي في منتصف الليل، لا أعلم كم زجاجةً شرب، لكنه كان مخمورًاجدًا، لا يكاد يخطو خطوة مستقيمة، وبدأ يقول كلامًا غير مفهوم، قال أنكِ تكرهينه، وأنكِ لا تريدينه بعد الآن، كل كلامه كان عنكِ، أراد أن يتصل بكِ، لكنه لم يستطع حتى أن يمسك هاتفه، ثم تذكّر أنكِ حظرته، فانهار تمامًا."اتسعت عينا يارا بدهشة وقالت: "أمي، أحقًا فعل ذلك؟"قالت سهير: "ولِمَ سأكذب عليكِ؟ لم أخبركِ بذلك هذا الصباح لكن بعد أن فكّرتُ قررت أن أقول لكِ، فهو أصبح هكذا بسببكِ."قالت يارا: "أمي، لا أفهم، لقد جاء إلى بيتي البارحة وتحدثنا بوضوح، وأنا متأكدة أنه لا يحبني، رب
كان عاصم مولعًا بالمال على الدوام، وشراهته للثروة تبدو أشدّ من كثيرٍ من رجال الأعمال.أخرج مراد من جيبه كتيّبًا صغيرًا ووضعه على الطاولة.قال عاصم: "ما هذا؟"قال مراد: "دليل برنامج، ووالمكان المذكور فيه مناسبٌ للغاية لإصلاح علاقتك بأختي." وأشار إلى الغلاف. "إنه مكان معزول، إذا دخلتماه، انقطعتم عن العالم الخارجي، وتعيشان هناك معًا نصف شهر."ضحك عاصم وقال: "هذا هراء. في مكان كهذا، إن حبستني معها هناك فلن يمضي يوم واحد حتى نتشاجر."قال مراد: "ألقِ نظرةً متأنية وستفهم. المكان رائع، وكثيرٌ من الأزواج عادوا منه وقد تحسّنت علاقتهم."عاصم لا يؤمن بهذه الأمور، لكنه تناول الكتيب مجاملةً لمراد.كان هذا المكان فعلًا خاصًّا؛ لا يوجد كهرباء ولا إنترنت ولا شبكة، لكن المناظر فيه بديعة.ما إن تدخلاه، لا يبقى في العالم سواكما، وعليكما أن تتعاونا لتجتازا الأيام.رآه عاصم أقرب إلى الألعاب التي يحبها الشباب.قال مراد: "الحجز هناك شديد الصعوبة وقد امتدّ إلى ما بعد العام القادم، استعملتُ بعض العلاقات لأحجز لكما. ستعود نادين اليوم، فاصحبها خلال هذه الأيام."قال عاصم: "هل سألت أختك إن كانت ترغب في الذهاب في مث
بعد مرور نصف ساعة، غادر رامي منزل عائلة شاهين.جلس عاصم وحده في غرفة المعيشة، يلقى نظرةً على أرجاء المكان الفارغ من حوله، ولم يكن في الجوار سوى الخادم يقف بهدوء.سيّدٌ وخادم، كما كان الحال دائمًا بينهما.لا الابن، ولا الابنة، ولا الزوجة، لا أحد منهم يعود إلى البيت."حقًا، أنا زوجٌ مثالي، وأبٌ رائع، لذلك لا أحد منهم يريد العودة."نهض متجهًا نحو الباب، وما إن همَّ بالمغادرة حتى دخل رجلٌ في منتصف العمر، كان ذا هيبة استثنائية، يملؤه الوقار.قال بنبرةٍ هادئة: "مرحبًا، يا صهري."رفع عاصم رأسه باندهاشٍ خفيف وقال: "ما الذي أتى بك إلى هنا؟"قال الرجل وهو يقترب منه: "جئتُ لأراك." ثم جلس بجانبه دون تكلّفٍ، وكأنّه بيته أيضاً، "ولأتحدث قليلًا عن أختي."كانت تلك الأخت هي زوجة عاصم، السيدة نادين نصار. أما الرجل فهو مراد نصّار، شقيقها الأكبر، ورغم أن عاصم يكبره ببضع سنوات، إلا أنه يبقى صهره.قال عاصم ببرود: "أجئتَ لتُوجّه لي اللوم؟"أجابه مراد بهدوء: "ليس اللوم تمامًا، لكن أختي تبقى في بيت العائلة منذ فترة، وأنا قلقٌ عليها، وأعرف جيدًا كيف تعيش في بيتك."قال عاصم بنبرةٍ ثابتة: "هي في بيتي السيدة الأو
تجمّد وجه رامي وتجنّب النظر في عيني والده قائلًا: "لا، لا يوجد شيء من هذا."كان يخشى أن يقوم والده بإيذاء يارا، لذلك لم يجرؤ على الاعتراف بحبه.عندما كان في المرحلة الابتدائية، كان يلعب مع فتاة صغيرة، وكانا قريبين جدًا من بعضهما.وقتها كانا طفلين بريئين، وكان كلٌّ منهما يقول للآخر إنه يُعجَب به، وكان ذلك الإعجاب طاهرًا ونقيًا.لكن سُرعان ما وصل الأمر إلى والده.لم يمضِ وقت طويل حتى أُرسلت تلك الفتاة بعيدًا، ولم يرها مجددًا.فوالده لم يسمح له يومًا بأن يحبّ أحدًا.كل شيء يجب أن يكون وفق ترتيبه وحده.ومنذ ذلك الوقت، لم يَعُد رامي يجرؤ على الاعتراف أمام والده بأنه يحبّ فتاة، خوفًا من أن يمدّ والده يده مرة أخرى.قال الأب: "حقًا؟ إن كان الأمر كذلك، فلا تتزوج من يارا، ما دمت لا تحبّها، حتى لو أردتُ أن أقرّب بينكما، فلن أفعل، يمكنك الانصراف."ثم مرّ بجانبه بنفاد صبر واضح.شعر رامي أن الأمر ليس طبيعيًا، فلحق به وسأله: "ما الذي تقصده تحديدًا؟ ما يحدث لا علاقة له بيارا، كل ما جرى كان بقراري أنا، ويارا لا تُحبني إطلاقًا."كان يخشى أن يكون والده يحاول استدراجه ليعترف.توقّف عاصم عن السير وقال: "إ






