Share

الفصل334

Author: ندي عبد الرحمن
من كان يتخيّل أن يارا بملامحها الرقيقة التي تشبه الحَمَل الصغير، تخفي في داخلها صلابة بهذا القدر، حتى إنها واجهت الأسد وجها لوجه.

بينما ازدادت ملامح عاصم صرامة، ارتجفت سوزان رعبًا، فاقتربت نحو يارا وهمست إليها: "دعيني آخذكِ ونغادر، كفي عن الحديث."

كانت ترتعب من منظر أبيها، فمجرد وقوفه بتلك الهيئة كفيل أن يزرع الرعب في النفوس، فإذا واصلت يارا مواجهته الآن؟ ماذا لو حدث شيء لجنينها؟

لكن يارا وقفت منتصبة القامة، رافضة أن تغادر، وعينيها ثابتتان تلتقيان مباشرة بعيني عاصم.

قال ببرود: "أيتها الفتاة الصغيرة! يبدو أن جرأتك ليست بالهينة، تجرؤين أن تخاطبيني بهذه الطريقة؟"

أجابت يارا بثبات: "أنا أقول الحقيقة فحسب. قد أكون في عينيك مجرد فتاة صغيرة، لكنني في النهاية إنسانة. وُلدنا جميعًا متساوين. حين أتحدث إليك، فمن الطبيعي أن أظهر لك الإحترام، لكنني يجب أيضًا أحترم نفسي."

تبدلت ملامح عاصم شيئًا فشيئًا، وزاد وجهه عبوسًا.

كان رجلًا خطيرًا بالفعل.

يهابه كل من في البيت، أما سوزان حين ترى والدها فهي كالفأر الذي يرى القط.

لكن يارا، وعلى الرغم من أنها تلتقيه لأول مرة، أظهرت شجاعة نادرة، وفي عينيها لم يكن ه
Continue to read this book for free
Scan code to download App
Locked Chapter

Latest chapter

  • هروب الزوجة الحامل ومطاردة حتي النهاية   الفصل412

    عاد الزمن ثماني ساعات إلى الوراء.الساعة العاشرة صباحًا.كان كريم ما يزال في منزل سهير، مستلقيًا على الأريكة نائمًا بسباتٍ عميق.فتح عينيه ببطءٍ وهو يشعر وكأنّ رأسه سينفجر من الألم، كان الغطاء الصوفي ملفوفًا حول جسده بإحكام.وكأنه خوفًا من أن يركله جانبًا، ورُبط أيضًا بحبل.حدّق كريم في نفسه بحيرة، ثم ألقى نظرة على المكان من حوله، غرفة جلوس غريبة، لكنه كان يعرف جيدًا أين هو.أحداث الليلة الماضية اندفعت إلى رأسه مثل موجٍ متلاحق.في منتصف الليل وهو مخمور، جاء يبحث عن أمه…مثل طفل في الثالثة من عمره، يبكي طالبًا من أمه أن تواسيه، ويشكو أنه تعرّض للأذى في الخارج.ضرب كريم رأسه بقوة.يا للعارِ!فكَّ الغطاءَ والحبلَ الملتفَّيْن حوله، ورماهما جانبًا، ثم نهض مترنحًا متجهًا إلى الحمام.بعد أن أنهى غسل وجهه واستعاد وعيه قليلًا، خرج يتحسس جيوبه، يبحث حوله، ليجد هاتفه ساقطًا عند زاوية الأريكة.التقطه وضغط على الشاشة، فرأى عدة مكالمات فائتة من المستشفى.ربما كان نومه عميقًا فلم يسمعها.شعر كريم في تلك اللحظة بنذير شؤم، فاتصل بهم: "مرحبًا، لماذا اتصلتم بي؟"قال الطرف الآخر بضع كلمات فتبدل لون وجه كر

  • هروب الزوجة الحامل ومطاردة حتي النهاية   الفصل411

    "كنتُ دائمًا أشعر بالذنب، لأنّي في طفولتك لم أُؤدِّي واجبي كأم، ولم أكن دومًا بجانبك. أرى أنني لا أملك حقًا أن أؤدبك، لكن هذه الصفعة لم أوجِّهها إليك بصفتي أمك، بل بصفتي أمَّ يارا، وأحمي ابنتي."احتقن أنف يارا، وتأثرت بشدة، لم تتوقع أن تفعل ذلك حماتها، التي لا تجمعها بها رابطة دم، ولم يسبق أن تعاملت معها كثيرًا، يمكن أن تفعل شيئًا كهذا من أجلها.شعرت يارا أن أحيانًا تكون غير محظوظة؛ فحبها وزواجها فاشلان، لكن في نواحٍ أخرى كانت محظوظة، لأنها إذا بكت، أو تألمت، أو آذاها أحد، تجد من يحميها.مسح كريم خده بخفة بنهاية إصبعه، ثم ضحك فجأة ضحكة مليئة بالسخرية، وقال: "فعلاً أنتما أم وابنتها، كل واحدة منكما وجهت لي صفعة، هل استمتعتما بذلك؟"رأى سهير ابتسامة كريم في مثل هذا الموقف فقالت بغضب: "كيف أصبحت شخصًا حقيرًا هكذا؟"اقترب كريم منها وقال: "أنتِ أخطأتِ." وأضاف: "لم أصبح حقيرًا، أنا منذ البداية هكذا، فقط أنتم لم تلاحظوا."رفع شفتيه ورسم ابتسامة المنتصر،وقال: "على أي حال، زواجي من رنا أصبح أمرًا محسومًا، ولن يستطيع أحد منعه. دعوتكم بصدق، لكنكم ترفضون الحضور، وأنا لا أستطيع إجباركم. زفافي أنا ور

  • هروب الزوجة الحامل ومطاردة حتي النهاية   الفصل410

    أسندت سهير كِلتا يديها إلى الطاولة، وتشابكت أصابعها العشرة: "إذا كنتَ حقًّا تريد تفادي المشاكل، فكان ينبغي أن تتزوّج خفية، لا أن تدعوني أنا وأباك لحضور الزفاف، ثم تجعل زوجتك السابقة وصيفةً للعروس."كانت سهير في العادة سريعة الغضب، لكن في تلك اللحظة بدت هادئة على غير عادتها، تتحدث مع كريم بصبرٍ استثنائي.ففي بعض الأحيان، يبدو سطح البحر ساكنًا، لكن في أعماقه تضطرب التيارات الخفية وتغلي بشدّة."هي تستطيع أن تختار ألّا تفعل، أنا لم أُجبرها، لقد كنت اقترح فحسب."عندما سمعتِ يارا نبرة كريم الباردة، قبضت يدها، وشعرت أنها لا تطيق البقاء هنا لحظةً واحدة.""أمي، سأسبقكم بالانصراف، تكلّموا على مهل.""انتظري." التفتت سهير وقالت: "سنعود معًا بعد قليل.""لكن يا أمي...""اجلسي." أشارت سهير إلي المقعد المجاور لها.عقدتْ يارا حاجبيها."اجلسي."تنفّست يارا بهدوء وجلست على المقعد المجاور."ولتتفادى النظر إلى كريم، أخرجت هاتفها من جيبها لتتفقد إن كان رامي قد ردّ عليها أم لا، فوجدت رسالته."(يارا، فلنجد وقتًا لنلتقي.)فأجابتْ على الفور، (تعالَ الآن إلى بيتي، سأعود قريبًا، أدخل مباشرة بإدخال الرمز.)وبعد أن

  • هروب الزوجة الحامل ومطاردة حتي النهاية   الفصل409

    لاحظت سهير أن كريم يحدق في يارا بصمتٍ طويل، فبدأ صبرها ينفد، وحدقت فيه بحدة وقالت بصوتٍ صارم: "إن كان عندك ما تقوله فقله فورًا."يا للضجر.ارتجف وائل الجالس بجانبها، وحدق فيها بذهول، ثم فجأه شعر بانفعالٍ غريب يشبه انبهار المعجب وهو ينظر إلى من يعجب به.كم كانت قوية ومهيبة، لقد أعجب بها أكثر.بل شعر برغبةٍ غامضة في أن يخضع لسيطرتها، وأن تتحكم به كما تشاء.لم يكن أحد ليتخيل أن وائل، الرجل ذو المظهر الأنيق والهيبة الظاهرة، يخفي في أعماقه مثل هذه الأفكار الغريبة والمظلمة.فالبشر، في النهاية، كائنات لها رغباتها البدائية، ومهما كبّلهم المجتمع بالقيود، تبقى تلك الرغبات تنتظر اللحظة التي تنفلت فيها.أحيانًا يريد الإنسان أن يَجلد، وأحيانًا يريد أن يُجلد.لاحظت يارا فجأة أن سهير وكريم لم يعودا بحاجة إلى بناء علاقة بينهما، فالعلاقة بينهما كأم وابن بدت طبيعية للغاية.حين توبخه سهير، لا يبدو عليها أثر الذنب الذي تحمله أم قصرت في رعاية ابنها.أما كريم فحين توبخه يُنصت بهدوء، ويخفض بصره قليلًا، فتغطي رموشه الطويلة عينيه المطفأتين.قال بصوتٍ منخفضٍ عميق: "خلال ثلاثة أيام، سأتزوج من رنا، لقد طلبت تجهيز

  • هروب الزوجة الحامل ومطاردة حتي النهاية   الفصل408

    نظرت يارا إليه بصمت.ما الذي يريده هذا الرجل منها؟هل يريدها أن تفقد السيطرة وتصرخ به كالمجنونة؟هل عندما يرى امرأة لا يحبها تفقد عقلها من أجله، سيمنحه ذلك شعورًا برجولته وتفوّقه؟أنزل كريم يديه اللتين كان يسند بهما الحائط، وتراجع بضع خطوات، مباعدًا المسافة بينهما، كانت نظرته يغمرها كآبة عميقة لا يُمكن وصفها بالكلمات.قال بصوت منخفض مبحوح: "تلك الأمور التي لا تريدين أن تخبريني بها، دعيها إذًا تتعفّن في صدرك إلى الأبد. لقد كنتِ على حق، حتى لو أخبرتني بها، النتيجة لن تتغيّر."قبضت يارا على قبضتيها بقوة، والغضب يغلي في عروقها.شعرت وكأنها لعبة بين يديه، يفعل بها ما يشاء، يرفعها إلى السماء ثم يُسقطها في الجحيم، كان يحب العبث بمشاعرها دائمًا ثم يتظاهر بالبراءة.هذا هو كريم ، الرجل الذي أحبّته طوال هذه السنين.دوّى صوت صفعةٍ عالية صفعةٌ وجّهتها بكل قوتها.احمرّ خَدُّ كريم من شدتها، أحس بوخزٍ خفيفٍ على وجهه، فمرّر أصابعه عليه بهدوء، ثم نظر إليها بثبات دون أن يُبدِي أيّ انفعال.كان كفّ يارا ترتجف من شدّة الألم، كأن جلدها يتشقّق.كانت تودّ لو تمزّقه تمزيقًا في تلك اللحظة.استدارت بسرعة وفتحت

  • هروب الزوجة الحامل ومطاردة حتي النهاية   الفصل407

    رخّى كريم قبضتيه اللتين كانتا تشتدّان أكثر فأكثر، فخف ضغطهما عن كتفيها."هل حقًا تريدين أن أقطع علاقتي بها؟""ليست المسألة ما إذا كنتُ أريد أم لا، أنا فقط طرحتُ شرطًا، ستستطيع تنفيذه أم لا هذا يعود إليك."كانت يارا تعلم أن كريم يستحيل أن يفعل ذلك، ولذلك قالت ما قالت لتسدّ عليه الطريق. فهي لا يمكن أن تُطلعه على حقيقة ما في قلبها، ولا على الأمر الذي تخفيه عنه.ولو أنها قالت له الآن، فما الذي سيحدث؟ سيدير ظهره ويعود إلى رنا، وتتحوّل هي إلى مسكينة فقدت حتى آخر أسرارها.خفض كريم جفنيه، وحدّق عميقًا في المرأة القريبة منه حدّ الملامسة، ثم دنَت شفتاه من خدّها، وراح دفء أنفاسه يلامس بشرتها لمسًا خفيفًا، وقال بصوتٍ مبحوح: "إن أنا قطعتُ علاقتي بها، فهل ستعودين إليّ؟"قبضت يارا على طرفي ثوبها بكفّيها.توتّرت قليلًا، وأرادت أن تفلت من أنفاسه الحارّة، فحوّلت وجهها جانبًا."كريم، لا تعبث معي. ولا تسألني أسئلة لا معنى منها.""ولِمَ ترينها بلا معنى؟ أليس شرطكِ أن أقطع علاقتي برنا؟ إذن أخبريني إن وافقتُ على شرطك، هل تعودين إليّ زوجة من جديد؟"ارتجف قلب يارا حين سمعت الجدية في نبرته، واستدارت نحوه تحدّق

More Chapters
Explore and read good novels for free
Free access to a vast number of good novels on GoodNovel app. Download the books you like and read anywhere & anytime.
Read books for free on the app
SCAN CODE TO READ ON APP
DMCA.com Protection Status