كيف يمكن أن تكون فادية قد اتصلت بيوسف لتضعه في موقف حرج بين الطرفين؟"لا يمكن." قالت فادية بلا وعي.بدا على هشام الحرج، وقال: "لكن... السيدة الصغيرة الزهيري، هذه المسألة واضح أن هناك من يستهدفك، أليس من جهة مجوهرات الهاشمي... هل أسأت لشخص ما هناك؟"كان هشام ذكيا.إن لم يكن نقل هؤلاء الموظفين بأمر من السيد يوسف، فلابد أنه من أحد آخر من عائلة الهاشمي.وشخص كهذا يجب أن يكون بمقام من يستطيع مجادلة السيد يوسف، ليحدث كل هذه الجلبة.السيدة الصغيرة الزهيري ذهبت إلى مجوهرات الهاشمي منذ أيام عديدة، ويحتمل أنها أغضبت أحدهم، ليس ذلك فحسب، فمنذ ذهابها لمجوهرات الهاشمي، لم تعد أبدا إلى مجوهرات نادية جبران.لكن اليوم عادت.تيقن هشام في قلبه أن هناك ما حدث لا محالة.نظر إلى فادية وهو يراها هادئة الملامح، فقال مطمئنا: "السيدة الصغيرة الزهيري، أيا كان ما حدث، أنا سأكون دوما خلفك، ثم إن... نورهان والآخرين لم يحن وقت دوامهم بعد، لهذا لم يأتوا..."كانت فادية تفهم ما يقصده هشام.ارتسمت على وجهها ابتسامة، فهي لا تريدهم أن يقلقوا، وقالت: "لا بأس، من استقال فليذهب، سنواصل التوظيف، شكرا لمجهودك."لم يعرف هشام م
تأديب فادية!بذلت ليان كل ما بوسعها لتصبح ابنة عائلة الهاشمي، وإن لم تظهر وجودها أمام فادية، فكيف ستشعر بالارتياح؟ليان لم تقل شيئا.قالت جنى وهي تربت على صدرها فجأة: "لا تقلقي، فادية ستعجب بك، ثقي بي!"بعد أن أنهت كلامها، ابتسمت جنى لليان ابتسامة ذات معنى وغادرت الغرفة.بمجرد أن أغلق الباب، اختفى الابتسام عن وجه جنى.رمقت الباب بنظرة باردة، وامتلأت عيناها باحتقار لا يزول.وفي داخل الغرفة، تخلت ليان هي الأخرى عن مظهرها اللطيف، وحل في عينيها ظلام حاد.تلك جنى، تختبرها، وفي نفس الوقت تتقرب منها. ليان تعرف جيدا أن جنى ستتحرى أمرها، ولكن ما الفائدة من ذلك؟حتى الشيخ الهاشمي حين تحرى عنها، ظهرت النتيجة بأنها حفيدته، فكيف لجنى أن تجد شيئا آخر لو بحثت؟وفوق ذلك…مرت على ليان فكرة مظلمة في ذهنها، وظهرت في عينيها لمحة من القسوة....نامت فادية هذه المرة نوما هنيئا غير معتاد.رأت حلما طويلا مليئا بالذكريات، وفيه صور من طفولتها مع أمها، وملامح الأم ما زالت واضحة كما في ذاكرتها.وحين فتحت عينيها وهمت بالقيام، تفاجأت بوجود شخص نائم بجانبها.ظهر الرجل العاري جعل قلبها يرتجف، فنهضت فورا بصدمة، ونظرت
بعد أن دخل الاثنان، لم ينطق أي منهما بكلمة.ارتسمت على شفتي ليان ابتسامة خفيفة، فملامحها لم تكن بقدر جمال فادية، ولا بقدر أناقة جنى، لكن ربما ثقتها الممزوجة بشعور المتحكم بالأمور أضفت على وجهها بريقا خاصا.أما جنى، فما إن دخلت حتى بقيت تحدق بها.ليان لم تبد أدنى خوف، بل اكتفت بابتسامة باردة.وأخيرا عقدت جنى حاجبيها، وسألتها مترددة: "سمعت أن عمتي كانت امرأة شديدة الجمال، لكن لماذا أشعر أنك…"بدت جنى وكأنها تبحث عن تعبير لا يجرح.لكن هز رأسها وملامح الاشمئزاز على وجهها عبرت أكثر من أي كلمة عما يجول في خاطرها.لم تتوقع ليان أن تهاجمها بهذه الصراحة في شكلها.فهي أصلا كانت تحمل في قلبها شعورا بالغيرة والنقص أمام جمال فادية.وكلام جنى هذا فجر ما بداخلها فورا.اختفت ابتسامة ليان على الفور، وحدجتها بنظرة غاضبة: "ماذا تقصدين؟ هل تشكين بأني لست حفيدة جدي الحقيقية؟ إذا كنت تشكين، فلنذهب معا إلى جدي ليحقق بالأمر. هل تظنين أنني أتلهف لأكون حفيدة جدي؟"وأثناء كلامها أمسكت بمعصم جنى.وسحبتها وهي تهم بالخروج.لكن جنى ضحكت بسخرية، وجذبتها نحوها بقوة."هل انزعجت؟" سألت جنى بنظرة ثاقبة.تحت تلك النظرات،
كلمة "فادية" جعلت مالك يتوتر فجأة."ماذا حصل؟" مالك، الذي كان متكئا على الكرسي، اعتدل فجأة جالسا.حتى العملة المعدنية التي كان يقلبها بين أصابعه سقطت على الطاولة، دارت بضع مرات قبل أن تتوقف.يوسف لم يخبر مالك بما جرى مع عائلة الهاشمي، بل اكتفى بالقول: "حدث أمر ما..."شعر يوسف باهتمام مالك الشديد تجاه فادية، فساوره الندم على إجراء هذه المكالمة، فسأله بتردد: "هل تعرف من هو زوج فادية؟"مالك: "..."كيف لا يعرف؟وقبل أن يجيب، واصل يوسف قائلا: "إن أمكن، فأنا أفضل أن تتواصل معه، ليقف بجانب فادية ويدعمها."المغزى واضح: لا يريد منه أن يتقرب من فادية.وكأنه لا يراه إلا كرسول لنقل الكلام.عينا مالك لمعتا بعمق، ثم ابتسم بسخرية وأغلق الخط.هو بجانب فادية... وزوج فادية بجانبها... ما الفرق؟"سأعود إلى البيت." قال مالك وهو ينهض، والتقط بيده العملة المعدنية من على الطاولة، ثم خرج بخطوات واسعة من مكتبه.بعد نصف ساعة، وصل مالك إلى برج الصفاء الملكي.وما أن دخل، حتى قابلته سكينة تامة.في طريق العودة، كان القلق يلازمه، لكن عندما فتح باب غرفة فادية ورآها ممددة على السرير تغط في نوم عميق، تنفس الصعداء، وارتس
"حسنا." وافق يوسف مع تعبير وجه معقد.لكن وجهه كان غارقا في الجدية، ولم يبد عليه أي أثر للفرح.الشيخ الهاشمي، الذي كان غارقا في سعادته، قطب حاجبيه فجأة وقال: "يوسف، لقد وجدت ابنة عمتك، لكنك تبدو وكأنك غير سعيد؟"سعيد؟ كيف له أن يكون سعيدا؟هو يعرف أن عمته كانت الهم الوحيد الذي يسكن قلب جده، وعلى مدى هذه السنين شاهد بعينيه شعور الجد العميق بالذنب تجاهها.كان يتمنى أكثر من أي أحد آخر أن يجد جده عمته، أو أي شخص له صلة بها.لكن لم يتوقع أن الشخص الذي وجده، ستكون ليان!وبسبب فادية، فقد كان يحمل بداخله نفورا فطريا، بل وحتى رفضا لليان.ومع ذلك، كان يدرك تماما ما يجب عليه فعله."جدي، أنا في غاية…"؟قبل أن يكمل يوسف كلامه، قاطعته ليان قائلة: "جدي، لماذا لا يكون أخي يوسف سعيدا؟ في طريقي إلى المستشفى كنت مرعوبة جدا، لكن أخي يوسف هو من هدأ من روعي… شكرا لك يا أخي يوسف."كانت ليان تتحدث ببراءة، وابتسامتها الجميلة تعكس طاعتها ولطفها.هي بادرت بإنقاذ الموقف وردت عن يوسف، وحتما سيتذكر لها هذا المعروف.ليان تعرف جيدا هذا الأسلوب، والآن وقد أصبحت تحمل دماء الهاشمي في عروقها، فإن هذه المكانة ستجعل يوسف ي
الشيخ الهاشمي كان ينظر إلى ليان، وعيناه تلمعان بتوقع.تجمدت ليان للحظة، ملامحها البريئة مثل الأرنب الصغير، لكن فيها بعض الرعب، بل وحتى شيء من القلق وهي تلقي نظرة على يوسف وجنى، وكأنها لم تستفق بعد من هذا الخبر المزلزل "هي الحفيدة الحقيقية للشيخ الهاشمي".وما إن التقت نظراتها بجنى، حتى لم تستطع جنى أن تخفي ابتسامة السخرية الباردة في قلبها.هذه ليان، لم تكن تتوقع أبدا أنها حفيدة الجد الحقيقية.حتى إن كان الأمر صحيحا، فتمثيلها لهذا الدور مقنع بالفعل لدرجة أنه قد يخدع البعض.وهي متأكدة أن ليان تتعمد إبعاد فادية!"لولو، ما زلت واقفة مشدوهة؟ الجد قال إنك حفيدته الحقيقية، أما تستحقين أن تناديه يا جدي؟" تقدمت جنى بخطوات ووجهها مملوء بالابتسامة، ونبرة صوتها ودودة جدا.فالجد يريد من الأبناء والبنات الذين تبنوهم أن يحسنوا معاملة ليان، وبالطبع جنى لا يمكنها أن تعارض."جـ... جدي..." تمتمت ليان بارتجاف.الشيخ الهاشمي، الذي لم يجد ابنته، لكنه سمع من حفيدته ابنة روبو هذا النداء "جدي"، شعر بسعادة غامرة تملأ قلبه."رائع، رائع، رائع."كرر الشيخ الهاشمي الكلمة ثلاث مرات، وفي هذه اللحظة بدا وكأنه نسي أمر ف