"تعالي..." قال رامي بعينين مليئتين بالحنان.لم يعد قادرا على الانتظار ليمسك بذراع فادية ويدور بها أمام مالك ويوسف.هو الوسيم الثري، وهي الجميلة الفاتنة، توافقهما يفوق الوصف.لكن، بينما كان رامي يظن أن يدها ستقع في كفه، فوجئ بأن فادية تراجعت بضع خطوات وأمسكت بمعصم ياسمين.للحظة، تجمد الهواء.كلاهما نظر إلى ابتسامة رامي وهي تتشقق شيئا فشيئا، ويده الممدودة ظلت معلقة في الهواء في غاية الإحراج."ههه..." لم تستطع ياسمين حبس ضحكتها."تضحكين على ماذا؟" رمقها رامي بنظرة معاتبة، بينما كان ينظر لفادية بعينين مليئتين بالاستياء.أمسكت ياسمين يد فادية بلمحة طمأنة وقالت مازحة: "أنت فقط من يقدر على فعل هذا، لو كانت أي واحدة أخرى تعامل رئيسنا بهذه الطريقة، لخرجت من هنا بجلد مسلوخ! لكن بما أنك أنت، فلن يغضب منك أبدا."وبذلك، لم يبق أي سبب لرامي، الذي لم يكن أصلا غاضبا حقا، ليغضب.اقتربت فادية أكثر من ياسمين، ونظرت إلى رامي بعيون بريئة: "إلى أين سنذهب؟"وكأن شيئا لم يحدث قبل قليل.أطلق رامي أنينا خافتا، وخرج بخطوات متكبرة من الغرفة. تبادلت فادية وياسمين نظرة سريعة وتبعاه بطاعة.وما إن خرجوا حتى جاء صوت ر
ليان، وهي مترددة بعض الشيء، تسحب من قبل جنى إلى النادي.كان النادي شديد الخصوصية، والمزاد اليوم موجه فقط للضيوف المميزين، وهذه أول مرة تحضر ليان مثل هذا الحدث.بعد أن عبرتا عدة أروقة، وصلتا إلى قاعة كبيرة.في القاعة، كان الضيوف يحتسون الخمر، وعلى وجوههم أقنعة تخفي ملامحهم.عندما دخلت جنى مع ليان، حصلتا أيضا على أقنعة.بدت جنى متفاجئة قليلا لحظة تسلمها القناع.فهذا النادي، في مقره الرئيسي في عاصمة الدولة، زارته جنى أكثر من مرة، ولم يكن هناك من قبل أي عادة لارتداء الأقنعة.لكن دهشتها لم تدم طويلا، ولم تشغل نفسها كثيرا بالتفكير.ارتدتا الأقنعة ودخلتا القاعة.ولم تمض سوى لحظات حتى جاء أحد الخدم يدعو الضيوف للانتقال إلى قاعة المزاد.باستثناء منصة المزاد، كانت الإضاءة في القاعة خافتة جدا.كان مالك يرتدي قناعا أسود، وما إن دخل حتى عرفته جنى من النظرة الأولى.لكنها، وقبل أن تستوعب وجوده، وقعت عيناها على يوسف خلفه مباشرة.عندها قطبت جنى حاجبيها.في الأيام الماضية، كان يوسف وكأنه فقد تماما، لم يخبر العائلة سوى أنه مشغول بأمور خارج المنزل، دون أن يفصح عن ماهية الأمر الذي يتعبه إلى هذا الحد.راود
مالك ويوسف اندفعا خلف السيارة، لكن سرعان ما أدركا أنهما لن يستطيعا مجاراة سرعتها، ففي لحظة واحدة اختفى أثرها عن الأنظار."اللعنة!" تمتم مالك بغضب وهو يعض على أسنانه.لا شك أن رامي فعلها عن قصد.وفجأة، دوى صوت محرك سيارة.رامي عاد بسيارته، وانطلق كالبرق، مخترقا المكان أمامهما.رأى مالك بوضوح ابتسامة الظفر على وجه رامي، لكنه رأى بوضوح أكبر وجه المرأة الجالسة في المقعد الأمامي.فادية! إنها فادية!تبادل مالك ويوسف نظرات سريعة، وانطلق كل منهما بسيارته لمطاردة رامي.في هذه الأثناء، كان رامي يطلق صفيرا حماسيا.أما فادية فكانت تحدق عبر المرآة الخلفية في السيارتين اللتين تلحقان بهما، غارقة في التفكير.بالرغم من أن المشهد كان سريعا، لكنها تمكنت من رؤية وجهي الرجلين بوضوح، وشعرت فجأة بنوع من الألفة تغزو قلبها.بعد ساعتين، توقفت السيارة.قاد رامي فادية إلى ناد خاص وسري للغاية في مدينة الياقوت، وما إن دخلا، حتى دفعها رامي برفق نحو باب غرفة.نظر رامي إليها بنظرة غامضة، ثم قال لياسمين: "أريدها أن تقف بجانبي بأبهى صورة!"غمز لها بخفة وربت على رأسها، ثم غادر.وقفت فادية في حيرة، ونظرت إلى ياسمين نظرة ا
بمجرد أن ذكرت ذلك، انقشع الحزن عن وجه رامي، وأضاءت عينيه من جديد لمعة الحماس."يوسف! هاها… مثير للاهتمام فعلا!"كلاهما جاء من أجل فادية.هذه فادية…ألقى رامي نظرة نحو غرفة فادية، ثم أمسك بسلة الزهور التي رتبتها ياسمين المنذري بعناية، وخطا بخطوات واسعة إلى داخل القصر.في الغرفة، كانت فادية واقفة أمام النافذة، تتأمل المشهد خارجها.هذا المكان يتيح لها رؤية السيارتين المتوقفتين بجانب الطريق خارج القصر.منذ أول أمس، عندما استطاعت الوقوف والمشي قليلا، والسيارتان لم تتحركا من مكانهما، ورغم أنهما مجرد سيارتين، إلا أن قلبها كان يخفق بلا انتظام في كل مرة تراها فيهما.هل يوجد أحد في تلك السيارات؟وإن وجد، فمن يكون؟ولماذا ينتابها هذا الإحساس الغريب؟وأثناء انغماسها في أفكارها، دفع الباب خلفها، وصوت حميم مليء بالدلال جاءها…"سيدتي…"لم تحتج فادية إلى الالتفات، فهي تعرف جيدا من صاحب الصوت.ارتعشت شفتاها قليلا، وفي اللحظة التالية، كانت سلة من الزهور الطازجة أمامها.كانت نظرة رامي نحو فادية مفعمة بالدفء، وقال: "زهور قطفتها بنفسي، أهديها لك."الزهور كانت منسقة بشكل جميل، مما يكشف عن ذوق ومهارة فائقة ف
كانت ليان ترتدي فستانا أبيض اختارته في النهاية، مرصعا بالكامل بالألماس، يلمع ويتلألأ بطريقة تخطف الأنظار.وسط حشود غفيرة من الناس، كانت بلا شك النجم الأكثر تألقا في المكان.أما جنى، فبينما كانت تنظر إلى ليان، عيناها تخفيان احتقارا واضحا، ثم تقدمت نحوها حاملة كأس شراب، وقالت: "لولو، مبروك يا عزيزتي، أنت اليوم بحق غاية في الجمال، لكن للأسف، جمالك هذا… أخي الكبير لن يراه."قالتها جنى بمعنى مقصود.نظرت ليان حولها، لكنها لم تجد يوسف بين الحاضرين.وكأنه منذ أن غادر يوسف قصر عائلة الهاشمي ليلة أمس، لم يظهر مجددا.ليان لم تكن تولي يوسف اهتماما كبيرا، لكنها فهمت ما تقصده جنى.كانت تريد إيصال رسالة واضحة: في قلب يوسف، فادية أهم منها.أما فادية…"أخي… إلى أين ذهب؟" سألت ليان بتصنع وكأنها لا تعرف.جنى أطلقت شفتها السفلى في امتعاض، وقالت: "ومن يدري؟ حتى حين اتصلت به لم يرد، ربما لديه أمر بالغ الأهمية. آه، تذكرت… ليلة أمس تلقى مكالمة قبل أن ينصرف، وسمعته يذكر اسم فادية…"تنهدت جنى متصنعة الأسف، "أخونا العزيز، باستثناء جوجو في الماضي، لا يهتم إلا بفوفو… ربما هي من شغلته عن الحضور!""جوجو…"التقطت ليا
شد مالك قبضته فجأة، ثم التفت نحو رامي، وبمجرد أن فتح فمه اختفى من صوته ذلك النفوذ المعتاد: "السيد رامي، أعتذر إن أسأت إليك قبل قليل، من الآن فصاعدا، إن احتجت لأي مساعدة مني فسأبذل قصارى جهدي، فادية هي..."توقف مالك لوهلة، وحدق في رامي بنظرة صادقة: "هي مهمة جدا بالنسبة لي."عندما غادر مالك، كانت الابتسامة قد اختفت أيضا عن وجه رامي.هذا مالك مختلف تماما عما يشاع عنه.لقد كشف عن نقطة ضعفه أمامه طوعا، ولو كان هذا شخصا آخر لاعتبره رامي غبيا، لكن هذا الرجل هو الراسني الثالث.وفجأة، وكأنه أدرك شيئا، ارتسمت على وجه رامي ابتسامة ساخرة مع رفع حاجبيه.وحين غادر رجال مالك القصر تماما، استدار رامي ودخل إلى مكتبه، وخلف الباب السري للمكتب كانت الغرفة التي توجد فيها فادية....خرج مالك من القصر، وأمر الحراس الآخرين بالمغادرة بالسيارات.وأبقى معه فقط رائد، في سيارة واحدة، دون نية للانطلاق."سيدي، السيدة...؟""إنها بالداخل." قال مالك بصوت حاسم.لم يستطع رائد إخفاء دهشته: "لكن يا سيدي، لم نجدها قبل قليل...""لم تجدوا السيدة، لكن هل وجدتم ذلك الرجل الذي تحدث عنه رامي، الذي قال إنه التقطه؟"توقف رائد لحظة