Share

الفصل 8 لن تأتي غدًا

Author: رنا الخالد
طلب مراد من سارة أن تأخذ قسطًا من الراحة، لكنها لم تفعل. لا يزال لديها الكثير لتُنجزه.

قضت يومًا كاملًا في الشركة، أتمّت جميع عمليات التسليم، رتّبت الأوراق التي تحتاج للتوقيع، جمعت العقود، وأنهت تنظيم دفتر المهام اليومي الخاص بمراد.

في غرفة الاستراحة، سمعت من زملائها حديثًا عن شائعات، تقول إن مراد اشترى جميع شاشات الإعلانات الإلكترونية في العاصمة ليبث حفل زفافه.

في يوم راحتها التالي، جمعت كل أشيائها من منزل مراد، ووضعتها في حقائب وسلمتها للمتطوعين ليقدموا المحتويات لمن هم بحاجة إليها.

في ذلك اليوم، سمعت المتطوعين يتحدثون عن عائلة راشد التي أقامت مأدبة ضخمة للاحتفال بزفاف بشير، دعا فيها أهل العاصمة بأكملها دون طلب أي هدايا.

وفي اليوم الثالث من إجازتها، توجهت إلى جبل كاترين، قضت ست ساعات كاملة تمسح اسمها هي ومراد المنقوشان على صخرة العهود الثلاثة، حتى نزفت أصابعها من شدّة المجهود.

وفي أثناء هذا، شاهدت على التلفاز مقابلة مشتركة بين مراد ونورة، حيث قال مراد إنه سيقدم حفل زفاف مبهرٍ وفريدٍ للجميع.

أما عن اليوم الرابع من إجازتها، وهو اليوم السابق لحفل الزفاف، ذهبت إلى مكان الحفل ورأت بروفة مراد و نورة.

دعتها نورة بحماس للصعود على المسرح قائلة: "مساعدة سارة، قفي خلفي يوم الزفاف، سأرمي لك باقة العروس، لكي تحصلي على البركة وتجدين حبك قريبًا."

وقفت كما طلبت خلفهم، تتابع مراسم الزفاف، تراقب مراد وهو يعاهد نورة بالحب، يشبك خاتم الزواج في إصبعها، وترفع نورة عينيها لتتلقى قبلة عاطفية منه.

لكن مراد لم يقبلها، بل نظر إلى سارة، التي كانت تنظر إليهم بوجه هادئ وعيون صافية.

رغم ذلك، اجتاحه شعور غريب، وكأنها شخص يراه للمرة الأولى..

"حسناً، هذا يكفي لبروفة اليوم، أشعر ببعض الإرهاق"، قالها مراد دون أن يقبل نورة.

إنه لمن حسن الحظ أنها لم ترَ ذلك، لأنه لو رأت لكان قلبها تهشم أكثر، لكنها لم ترَ، ولن ترى أبدًا، لأنها لن تأتي غدًا.

"مراد..." تذمّرت نورة، كانت تصر على إظهار عاطفتها أمام سارة لتمنعها من التعلق بأي أمل.

"سارة، تعالي هنا"، قاطعها مراد، مناديًا عليها.

"هل لديك تعليمات يا سيدي؟" ردّت سارة بنبرة رسمية.

خلع مراد ربطة عنقه وهو يحدق بها، يحاول أن يقول شيئًا لكنه تردد، ثم ألقى الربطة في يدها، "احضري لي ربطة جديدة."

"سارة، لا أريد رؤيتك غدًا، لا تحضري إلى الزفاف."

اقتربت نورة، وأمسكت ربطة عنق مراد بيدها، موجّهة تهديدًا باردًا لسارة.

عرفت أن رفض مراد تقبيلها له علاقة بسارة، فقد رأت نظراته إليها.

كانت تنوي أن تجعل سارة تشاهد حفل زفافهما لتكسر كل أمل لديها.

لكن الآن، ندمت، خافت أن تحدث لها مشكلة إذا حضرت.

نظرت سارة إلى وجه نورة المرتبك، وابتسمت بخفة، "إذن، ستنقص واحدة من وصيفاتك."

"لا شأن لك، المهم أن لا تظهري في زفافي غدًا، وإن حاولت الحضور، فاستعدي للإحراج."

هددت نورة بحدة.

تذكرت سارة كيف كانت نورة تخطط للإيقاع بها يوم تجربة فستان الزفاف. أومأت برأسها بهدوء وقالت: "حسنًا، لدي شيء أريد قوله لك."

أجابت نورة: "ماذا؟"

مدّت سارة يدها وأمسكت بنورة، بينما كانت يدها الأخرى تضغط على جانب خصرها.

شعرت نورة بألم حاد مباغت جعل عينيها تتسعان من الصدمة. "سا...رة..."

لكن سارة رفعت صوتها، متغلبةً على صوت نورة المرتجف، وقالت:

"آنسة نورة، أتمنى لك وللسيد مراد حياة زوجية سعيدة، وذرية صالحة."

ومع كل كلمة نطقتها، كانت تغرز الإبرة المعدنية أعمق في خاصرة نورة...

ففي ذلك اليوم، كانت نورة قد غرست تلك الإبرة في جسد سارة أولًا.

Continue to read this book for free
Scan code to download App

Latest chapter

  • طرقنا تفترق بعد الزواج   الفصل 180 هو من لم يحمها جيدًا

    "ماذا سأقول؟""أسأله: هل تتألم؟""أم ماذا؟"لم تعرف سارة؛ لأول مرة تشعر بهذا معه.ارتباك وحَيرة جعلاها غير طبيعية، حتى إنها لم تجرؤ على التحديق في عينيه.إحساس مزعج ومحرِج؛ لذلك بدت خطواتها نحوه ثقيلة."أين أصبتِ؟"سبقها بشير بالكلام قبل أن ترتّب كلماتها.لا يليق أن تسمي خدشها جرحًا أمام جرحه: "أنا بخير".قال وهو يرفع يده المصابة، فانعقد جبينه من الألم: "تعالي، دعيني أرى".فزعت فقبضت على يده: "لا تتحرّك".قبض على يدها: "إن لم أتحرّك لا تطيعيني؛ سابقًا كنتِ تعاندين وتجادلين، والآن لا تسمعين لي".نبرة شكوى كاملة."أنا حقًا بخير"; ورفعت رأسها: "انظر، مجرد خدش صغير في الجبهة".تأمّل: "عكس ندبتي تمامًا؛ أنا اليسار وأنتِ اليمين. أليست ندبة زوجية؟"صمتت؛ أول مرة تسمع هذا. قالت لتطمئنه: "لن تترك أثرًا".قال وهو يمسح نظره على جسدها: "ولو تركت، لا أمانع. هل هناك جروح في أماكن أخرى؟"قالت: "لا"، ورفعت كمّيها: "انظر".بشرتها بيضاء ناعمة؛ لو أُصيبت فعلًا لكان مُوجِعًا.قال بلا سياق: "جميلة".فهمت مزاحه لرفع شعورها بالذنب؛ فلم تسأله: هل يؤلم؟ فذلك تحصيل حاصل.لحظة دخولها كان حاجباه معقودين، وإن ارتخ

  • طرقنا تفترق بعد الزواج   الفصل 179 الدين هو حياتها

    "يا بشير، لو تأخرت بضع ثوانٍ لكنت ميتًا، هل تعرف ذلك؟"من داخل غرفة المستشفى وصل توبيخ سامي إلى الخارج.أُصيب بشير وهو ينقذ سارة؛ جرحٌ يمتد من كتفه الأيمن إلى ساعده، عمقه يقارب سنتيمترين.أما سارة، الضحية، فأصابتها خدوش طفيفة فقط؛ وبحسب آمنة لو تأخر الطبيب قليلًا لالتأمت تلقائيًا."حتى لو مت، لا يمكنني أن أقف وأرى زوجتي تحترق أمامي."أراد سامي أن يقول شيئًا، فقال بشير: "أنت حقًا بارع؛ تكتفي بالصراخ وأنت تراني أكاد أحترق حيًّا، ولا تتقدّم للمساعدة.""لا.. أنا... أنا..." حاول سامي التبرير، لكن هذه هي الحقيقة.حين رأى المشهد آنذاك ارتخت ساقاه، فلم يستطع الركض."أنا مدين لك بحياتي مرة أخرى." ورفع يده فلطم وجهه.رمقه بشير: "دع عنك التمثيل؛ أنت منذ الصغر إذا رأيت نارًا تبولتَ في سروالك، ألا أعرفك؟ ثم إنني كنتُ أُنقذ زوجتي؛ لو ذهبتَ أنت، فكيف سيبدو موقفي؟"فهم سامي أنه يواسيه، واحمرّت عيناه: "يا بشير، لقد أخطأت... أنا...""إن قلتَ هذا مجددًا فاخرج!" غلّظ بشير صوت قائلًا:. "لو كنتُ ألومك حقًا لما قلتُ ما قلت. وإذا كنت تشعر فعلًا بالذنب، فابحث عن الفاعل وعاقبه."مسح سامي أنفه: " سأجده ، حتى ولو

  • طرقنا تفترق بعد الزواج   الفصل 178 لا تخافي

    "هاها!"ضحكت شرين: "إذًا، ما تظنين هدفي؟"على عكس بهجتها، برُدت ملامح سارة: "مهما كان قصدك يا زوجة أخي، شأن العاطفة لا يتدخل فيه ثالث.""صحيح، تجاوزت الحد، آسفة، ويبدو أن عشاء الليل اليوم لن يتم، هذه الدعوة في ذمتي، أُعوّضك لاحقًا، وداعًا."غادرت شرين، فنظرت سارة إلى الرجلين غير البعيدين ثم همّت بالمغادرة.قال سامي وهو يلحق بها: "يا زوجة أخي، ألا تنتظرين بشير؟"قالت ببرود: "لماذا أنتظره؟" فمسّ سامي أنفه حرجًا.قال: "أنتما زوجان"، وتذكّر ما سمعه ذاك اليوم فقهقه بخبث: "وأصبح الأمر حقيقة واقعة."قطبت سارة ونظرت جانبًا: "ماذا؟"سعل سامي على عجل: "سأنادي بشير، انتظريه قليلًا."راقبت ركضه بعيدًا، وتفكرت في عبارة "حقيقة واقعة..."حين أدركت الخطر كانت سيارتها محاصرة من اليسار واليمين، المرة السابقة كان نبيل الزامل، أما هذه المرة فلا تدري من.في هذه الأيام المليئة بالحوادث أيقنت أنها في مأزق غير عادي، لكنها لم تفزع، تماسكت واتصلت ببشير."يا زوجتي..."أنا محاصرة بعدة سيارات...""أنا خلفكِ، لا تخافي..." وبحديثه سمعت سارة هدير محركه.أرادت قول شيء، لكن فجأة ارتجت السيارة بعنف، ثم دارت بها الدنيا..

  • طرقنا تفترق بعد الزواج   الفصل 177 دائمًا ما يحب أخذ ما يخص الآخرين

    "هذا الحصان ليس جيدًا، سأهديكِ لاحقًا حصانًا أفضل!"على ظهر الحصان، كان بشير يقود سارة في جولة ممتعة وهو يتذمّر.ما هذا، يستفيد ثم يتذمّرهدأ اضطراب سارة قليلًا، لكنها غضبت: "يا بشير، قد لا تُبالي بحياتك، أما أنا فما زلت أريد أن أعيش"."لن أدعكِ تُصابين بسوء." اعترف بأنه خاطر توًا، لكنه يعرف أنه مع مهارتها لن تسقط ولو ارتفع الحصان نصف متر آخر.ثم إنه لم يقترب إلا وهو واثق."وماذا عنك أنت؟" سألت بنفاد صبر.ما إن أنهت حتى ضمّها أقرب؛ أنفاسه الحارّة على عنقها: "أوه، اتضح أنكِ قلقة عليّ".سارة: "...…"قادها شوطين، فأوقفته. ذهبت هي وشرين لتبديل الملابس، فيما تقدّم بشير بفرسه بتمهّل إلى زاهر: "يبدو أن السيد الزامل متفرّغ هذه الأيام".لم يُجب زاهر، فأردف بشير: "وتظهر كثيرًا أمام زوجتي".قال زاهر القليل المصيب: "هل السيد راشد غير واثق من نفسه؟"رفرف قميص بشير في الريح: "أذواقُ السيد الزامل متوارثة... دائمًا يحب أخذ ما يخصّ الآخرين".رفع زاهر عينيه؛ تلاقى الطرفان بنظرة عالية: "ماذا؟ هل أخطأتُ في شيء؟"سبق أن حدثت فضيحة لعائلة الزامل؛ أُخفيت، لكن تسرّب بعضُها.تحرّكت تيارات صامتة؛ حتى الخيول أحس

  • طرقنا تفترق بعد الزواج   الفصل 176 بشير، ابتعد!

    حينها تلقّى مالك النسخةَ عالية الدقّة من الفيديو والصور، وقدّمها متزلّفًا: "يا بشير، تفضّل النسخة عالية الدقّة".سبق سامي عيد بشيرَ بخطوة وأمال رأسه نحو الشاشة؛ لمح شيئًا مرّ كلمح البصر، لكنه التقطه بعينه الحادّة: "لماذا ذهب أهلُ الزامل أيضًا؟".لم يخطئ سامي؛ كان المضمار الذي تهيمن عليه سارة وشرين قد أضيفت إليه الآن هيئةُ رجل.فرسٌ بنّيّ يلمع كلّه؛ حتى ليلُ الساحة لا يحجب بريقه. كان الرجل بسترة ركوب سوداء وسروال أبيض، وسيمٌ جدًا؛ انحنى على ظهر الفرس، وساقاه تضغطان بطنه وهو يطوي المضمار.المشهد لا يشبه مضمارًا ضيّقًا؛ كأنه سهلٌ فسيحٌ بلا نهاية.كانت سارة وشرين في ذروة التنافس؛ جذبتهما الصورة، فتبادلتَا نظرةً سريعة، وشدّتا الفرس بين الساقين، وواصلتا الرهان.حين وصل بشير وسامي كانت الخيول الثلاثة تجري كالسهم في المضمار، كأنها تتنازع السيادة.تمتم سامي ساخرًا: "الرجل النبيل لا ينازل امرأة؛ لماذا يتسابق زاهر مع امرأتين؟".ثبّت بشير، المخضلّ بعتمة الليل، نظرَه على سارة؛ ثوبُ الركوب الملتصق أبرز قوامها وخطّ خصرها. ولإحكام السيطرة على الفرس انحنت للأمام، فبان خطّ الخصر والورك كاملًا.لأول مرة

  • طرقنا تفترق بعد الزواج   الفصل 175 ثنائي الجمال والقوة

    "ماذا؟"نظرت سارة إلى شرين ناصر، فنظرت الأخيرة إليها، وقالت: "ألا تشعرين؟ أم أنه لم يفعل ما يكفي؟"مرّ شريط خاطف أمام عيني سارة.قالت شرين: "نشأتُ معه، حتى حركاته أفهمها، يخدع غيري ولا يخدعني."وأضافت: "بشير راشد عقلاني منذ صغره، لا يقع في الحب بسهولة، وإذا أحبّ مضى في حبه حتى الموت."ثم قالت: "سارة، هو يستحق أن تُحبّيه، ولولا أُلفتنا لما أعطيتُ أحدًا غيري فرصة"، وضحكت.ربما لهذا تحالفها الدنيا؛ فالسماء تميل لمن يضحكن.سألتها سارة: "أتعرِفين ليان؟"تجمدت شرين: "من؟"دهشت سارة؛ ألم يكرا معًا، فكيف إذًا لا تعرفها؟قالت شرين: "تقصدين الشائعة؟ لا تهتمّي، كلها كاذبة."ثم فتحت باب السيارة: "اذهبي أنتِ، سأمرّ على مضمار السباق."وقبل أن تصعد سألت: "لن تذهبي حقًا؟"بدا أن شرين لا تريد أن تقضي الليلة لوحدها، فغمغمت سارة: "بما أنكِ صديقة طفولته، سأرافقك."ضحكت شرين: "شكرًا لكِ يا زوجة الأخ."كان المضمار ليلًا هادئًا، وبدّلتا إلى لباس الفروسية، فقالت: "نتسابق جولتين؟"قالت سارة: "حسنًا."قالت شرين: "الخاسرة تدفع مأكولات الليل المتأخرة."بما أنها رافقتها، فترافقها للنهاية، وأومأت سارة.امرأتان جميل

More Chapters
Explore and read good novels for free
Free access to a vast number of good novels on GoodNovel app. Download the books you like and read anywhere & anytime.
Read books for free on the app
SCAN CODE TO READ ON APP
DMCA.com Protection Status