Share

الفصل 7

Author: بلال نور
بعد أن غادرت شقتي المستأجرة، عدت إلى مسقط رأسي في الريف.

كان والداي في غاية الفرح لرؤيتي حتى إن أصواتهما بدت مختنقة بالبكاء:

“رنا، ما الذي أعادك؟ ألم يحن موعد الزفاف بعد؟”

ارتميت في حضن أمي باكية.

في الحقيقة، لم يكونا والداي راضيين تمامًا عن زواجي من عاصم ناصر،

لأنهما يعرفان أن دخولنا نحن بنات القرى إلى عائلة ثرية لن يجلب لنا سوى الإهانة والذل.

لكنني كنت أؤمن حينها أن الحب بيني وبينه قادر على التغلب على كل شيء.

والآن أدركت أن ذلك لم يكن سوى نكتة سخيفة.

“أمي، لن أتزوج به، أريد أن أبقى بجانبكما لبقية حياتي.”

تصلب جسد أمي للحظة، لكنها لم تقل شيئًا واكتفت بربت رأسي بحنان.

أما أبي الذي اعتاد الصمت، فقال لي على غير عادته:

“إن لم تتزوجي، فلا بأس، لم نأخذ منهم أي مهر، وحتى إن بقيت بلا زواج، فسأبقى أعولك ما حييت.”

انهمرت دموعي على الفور.

وفي المساء، بعد أن تناولنا العشاء وجلسنا أمام التلفاز، اهتز هاتفي برقم غريب.

أغلقت المكالمة دون تفكير.

كنت قد حظرت جميع أرقام عاصم ناصر منذ زمن، وأدركت مباشرة من يكون هذا المتصل.

وفي الوقت نفسه، كان عاصم ناصر وأصدقاؤه يجلسون في ممر شقتي السابقة طوال اليوم، متعب
Continue to read this book for free
Scan code to download App
Locked Chapter

Latest chapter

  • في ليلة ما قبل الزفاف، قررتُ الإجهاض   الفصل 8

    لم أتوقع أبدًا أن يمر يومان فقط، حتى يظهر ذلك الرجل الذي كان يستعد للزواج من عائلة قاسم واقفًا عند باب منزلي بكل وقاحة.كان يعرج على إحدى ساقيه، وعندما رآني انفجر بالبكاء وكأنه فقد عقله:“رنا، وجدتك أخيرًا!”“هل تعلمين كم عانيت لأجدك؟ حتى إن هذه الساق كُسرت لأنني قفزت من الطابق الثاني للفيلا!”نظرت إليه ببرود، بلا أي تعاطف، وسألته بهدوء شديد:“ومن تكون أنت؟”كادت هذه الجملة تحطم قلب عاصم ناصر، فاندفع يعرج محاولاً الإمساك بيدي، لكنني تفاديت حركته بسرعة.“يا هذا، إن تحرشت بي فسأتصل بالشرطة ليأخذوك إلى السجن!”حدق بي بعينين حمراوين وصرخ بجنون:“لا أصدق أنكِ حقًا نسيتني! رنا وائل، قلتِ إنكِ ستبقين معي مدى الحياة!”“صحيح أنني فقدت ذاكرتي وقتًا ما، لكنني تذكرت الآن! عرفت أخيرًا أن الشخص الذي أحبه أكثر من أي أحد هو أنتِ!”ابتسمت باستهزاء، أيقنت أنه لا يعرف الخجل، حتى وهو يتحدث وكأنه عاشق مخلص.لو لم أرحل بذاك الحزم والنهائية، هل كان سيتذكر الماضي بهذه السرعة؟على الأرجح كان سيبقى غارقًا في متعته مع مريم قاسم، مستمتعًا بكل ما تجهزه له من ألعاب وأزياء.“للأسف، ما وعدتُ به قد انتهى منذ زمن، الشخ

  • في ليلة ما قبل الزفاف، قررتُ الإجهاض   الفصل 7

    بعد أن غادرت شقتي المستأجرة، عدت إلى مسقط رأسي في الريف.كان والداي في غاية الفرح لرؤيتي حتى إن أصواتهما بدت مختنقة بالبكاء:“رنا، ما الذي أعادك؟ ألم يحن موعد الزفاف بعد؟”ارتميت في حضن أمي باكية.في الحقيقة، لم يكونا والداي راضيين تمامًا عن زواجي من عاصم ناصر،لأنهما يعرفان أن دخولنا نحن بنات القرى إلى عائلة ثرية لن يجلب لنا سوى الإهانة والذل.لكنني كنت أؤمن حينها أن الحب بيني وبينه قادر على التغلب على كل شيء.والآن أدركت أن ذلك لم يكن سوى نكتة سخيفة.“أمي، لن أتزوج به، أريد أن أبقى بجانبكما لبقية حياتي.”تصلب جسد أمي للحظة، لكنها لم تقل شيئًا واكتفت بربت رأسي بحنان.أما أبي الذي اعتاد الصمت، فقال لي على غير عادته:“إن لم تتزوجي، فلا بأس، لم نأخذ منهم أي مهر، وحتى إن بقيت بلا زواج، فسأبقى أعولك ما حييت.”انهمرت دموعي على الفور.وفي المساء، بعد أن تناولنا العشاء وجلسنا أمام التلفاز، اهتز هاتفي برقم غريب.أغلقت المكالمة دون تفكير.كنت قد حظرت جميع أرقام عاصم ناصر منذ زمن، وأدركت مباشرة من يكون هذا المتصل.وفي الوقت نفسه، كان عاصم ناصر وأصدقاؤه يجلسون في ممر شقتي السابقة طوال اليوم، متعب

  • في ليلة ما قبل الزفاف، قررتُ الإجهاض   الفصل 6

    ضيّقت عيني وأنا أراقب عاصم ناصر وهو يُطرد من قبل رجال الأمن.حتى هذه اللحظة ما زال يظن أن كذبة “فقدان الذاكرة” تكفي لخداعي.خلال الأيام التالية، وبسبب الجدل المتزايد على الإنترنت، انشغل عاصم ناصر عن إزعاجي لبعض الوقت.ومضت الأيام سريعًا.بعد خروجي من المستشفى عدت إلى شقتي الصغيرة المستأجرة.ولم أتوقع أن أجده واقفًا أمام باب الشقة بانتظاري.رفع رأسه فور أن رآني، ومدّ إليّ باقة من زهور الكاميليا:“رنا وائل، أظن أنني تذكرت شيئًا… اليوم عيد ميلادك، أليس كذلك؟ أنا حبيبك، وسأقيم لكِ احتفالاً بعيد ميلادك.”ثم رفع بيده الأخرى كعكة عيد ميلاد بالفراولة، وبدا وجهه مفعمًا بالثقة وكأنه يتوقع أن أتأثر.كنت أعلم ما الذي سيتفوه به تاليًا: سيحاول تهدئتي، ويطلب مني الانتظار، حتى يفرغ من حياته العابثة، ثم يعلن أمام الجميع أنه استعاد ذاكرته ليعود ويتزوجني.تجنبت الكاميليا والكعكة، وقلت ببرود:“يبدو أن السيد عاصم أرسل الهدية للشخص الخطأ، فلا سبب لديّ لأقبل شيئًا من غريب.”ارتبك وجهه فجأة، وأخذ يتفحص الكاميليا وكعكة الفراولة مرارًا:“مستحيل… أتذكّر أنكِ تحبين الكاميليا والفراولة، وكنت أرسلها لك كل عام، كيف

  • في ليلة ما قبل الزفاف، قررتُ الإجهاض   الفصل 5

    لم أجب على كلماته.وفي اللحظة التي أُغلق فيها باب غرفة العمليات، لمحته من زاوية عيني وكأنه جُنّ تمامًا، يحاول النهوض ليوقفني.لكن قبل أن يخطو خطوة واحدة، أوقفته مريم قاسم وهي تبكي بحرقة:“عاصم، لا تتحرك، الألم يقتلني!” “لا بد أنك سمعت خطأ، هذا مستحيل أن يكون طفلك، لو كانت حاملًا منك، لكانت جائتك قبل ذلك لتجبرك على الزواج بها، كيف يمكن أن تأتي لتجهضه؟”كانت الممرضة تهدئه أيضًا، فهما ما زالا متشابكين بسبب بعض الأدوات الطبية، وإذا فُصلا بالقوة لا أحد يعلم ما الذي سيحدث.بعد انتهاء العملية، أعادوني إلى غرفة الإنعاش.وما إن فتحت هاتفي حتى اهتزّ بعشرات المكالمات والإشعارات.ألقيت نظرة سريعة، أغلبها كانت مكالمات ورسائل من عاصم ناصر.وهذه أول مرة منذ أن بدأ تمثيلية فقدان الذاكرة يرسل لي هذا الكم من الرسائل:(رنا وائل، أين أنتِ؟)(رنا وائل، أجيبي حالًا، أين أنتِ؟)(أأنتِ في المستشفى؟ هل تجري عملية إجهاض؟)(رنا وائل، أجيبي، ألم أوافق أن أكون حبيبكِ؟ لماذا لا تردين عليّ!)ابتسمت بسخرية وأغلقت الهاتف من دون أن أرد عليه.لكن قبل أن أضع الهاتف جانبًا، ظهر إشعار بخبر عاجل:كان خبر دخول عاصم ناصر ومر

  • في ليلة ما قبل الزفاف، قررتُ الإجهاض   الفصل 4

    بعد خروجي من المستشفى، حجزت عبر الإنترنت موعدًا لإجراء عملية الإجهاض في اليوم التالي.وفي العاشرة ليلًا، كنت قد عدت إلى شقتي للتو واستلقيت على السرير حين بادر عاصم ناصر بالاتصال بي.رنّ الهاتف، وجاء صوته:“لماذا لا تزال بعض أغراضك في شقتي؟ شعرت صديقتي بالانزعاج حين رأتها، تعالي وخذيها.”أجبته ببرود: “دَع شخصًا آخر يرميها، ما بقي هناك ليس مهمًا.”كل ما يخصني أخذته معي في المرة السابقة، وما تبقى إما لا يمكن حمله أو كان متعلقًا بعاصم ناصر نفسه.لكن ضحكته الباردة ترددت في السماعة:“هذه أشياؤك، لماذا أتعامل معها أنا؟ تعالي وخذيها حالًا، وإلا سأبلغ عنك بتهمة اقتحام منزل وسرقة!”فركت جبيني المتعب بيدي، وشعرت لأول مرة أن عاصم ناصر بات مزعجًا بحق.وحين عدت إلى شقته، رأيت صفوف صور الزفاف على الطاولة، وكل ألبومات صورنا على مدى خمس سنوات.قال بنبرة متعالية:“يبدو أننا كنا في الماضي عاشقين بحق، من يدري، ربما أقع في حبك مجددًا.”ابتسمت بمرارة من دون أن أتمكن من الضحك.وفي اللحظة التالية أخرجت مقصًا وبدأت بقص الصور.تغير وجه عاصم فجأة ومدّ يده ليوقفني، لكنني لم أتردد، فانغرز المقص في يده مخلفًا جرحً

  • في ليلة ما قبل الزفاف، قررتُ الإجهاض   الفصل 3

    بعد أن غادرت، ذهبت للمبيت ليلة في أحد الفنادق.وفي اليوم التالي، وبمساعدة مكتب الوساطة العقارية، استأجرت شقة صغيرة.كنت أظن أنني لن ألتقي بعاصم ناصر مجددًا.لكن لم أتوقع أن أكتشف حملي.في الصباح الباكر، ما إن تناولت شيئًا حتى شعرت بالغثيان.ذهبت إلى المستشفى لإجراء الفحوصات، ولسوء الحظ التقيت بعاصم ناصر وعدد من إخوته وأخواته.كنت أنوي الابتعاد عنهم، لكنني توقفت بلا وعي.أحاطوا بي بنظراتهم الساخرة، وكأنهم يحاصرونني:“أمثالكِ من فتيات الريف تظن حقًا أنها تستحق الزواج من عائلة ناصر؟”“لا نعلم أي سحر ألقيتِهِ على عاصم حتى خالف عائلته من أجلكِ، والآن استفاق أخيرًا من غفلته!”“انظروا ما الذي تحمله بيدها! تقرير فحص حمل؟”لأن عاصم ناصر تشاجر مع عائلته بسببي في الماضي، لم يحبّني أحد من عائلة ناصر يومًا.انتزعوا ورقة الفحص من يدي بسهولة وبدأوا بالاستهزاء بي:“ألا تخجلين يا رنا وائل؟ لم يعد عاصم يريدكِ، فتذهبين لتزوير تقرير حمل؟”“تريدين التمسك بعائلتنا بالقوة، أليس كذلك؟”“اسمعي جيدًا، ما دامت عائلة ناصر موجودة فلن تدخليها أبدًا، خصوصًا وأن عاصم الآن مع أميرة عائلة قاسم، فلا تحاولي إضاعة وقتكِ!”

More Chapters
Explore and read good novels for free
Free access to a vast number of good novels on GoodNovel app. Download the books you like and read anywhere & anytime.
Read books for free on the app
SCAN CODE TO READ ON APP
DMCA.com Protection Status